بريد القراءخواطر كاتبة
أخر الأخبار

ستعود … حتما ستعود

(الزائر الأخير)

Spread the love

أنت في الحياة الآن ، حي تتنفس بين أناسها ، حي تتمشى فوق تربتها ، حي تتطلع على دروسها ، و لا شك في ذلك ، بل و أنا متأكد مادمت تقرأ ما أكتبه الآن .
لكن هل بالفعل تعيش أجوائها ؟ هل بالفعل تستمتع بلحظاتها ؟ تتذوق حلاوة و حرارة أطعمتها و خيراتها ، تسعد بصحبتها ؟ أم أنك تتعذب بها ، و بأجوائها و كل لحظة أمامك يقابلها دهر عظيم لا يفنى !و لكن كل هذا في الحقيقة المرة شيء لا قيمة له بعد حلول النهاية، بل أعظم من ذلك بكثير، ففي بلوغ الخاتمة لا يهم مالك و لا نسبك، و لا علمك و لا وظيفتك، ولا دورك و لا درجتك !…لا شيء مهم، لا مال نافع، و لا نسب منجي و لا درجة تقيك. فما هو المهم حين يأتيك ؟ ما هو المهم حين يقابلك (زائرك الأخير ) ؟ و أول ضيف لك بلا موعد تحسب له !
لاشيء مما ذكرناه الآن نغير عملك الديني ، غير نواياك البيضاء الصافية ، طبعا صفاء نقي خالص لا تمسه شوائب سوداء ، تتخلل بياض صفحتها ، فبحفاظك على بياض كل ورقة في كتابك الخاص اعتبره إنجازا عظيما قمت به خلال مسيرة حياتك ، فإنك شخص عظيم بل محافظ في الحياة . تلك الحياة التي كانت عبارة عن ممر فقط للآخرة ، و كأنها حلقات من مسلسل و الآخرة ختامه . لم تكن يوما كمستقر . أو كما ظننا نحن طبعا .
لك عند الله سنوات محدودة، و أشهر محدودة، و أيام محدودة، و ساعات محدودة، و دقائق محدودة، و ثواني محدودة. دقات قلب المرء قائلة إن الحياة دقائق وثواني . فالمشي في الطرقات، و السهرات التي لا معنى لها، متابعة أفلام و مسلسلات !كلها مضيعة للوقت ، نعم !هكذا يضيع وقت الناس ( فهل أنت منهم ؟!) . ثم يفاجئون بعلة في أجسامهم ، تتفاقم هذه العلة ثم النعوة على جدران بيوتهم .
فماذا قدمت يا عبدي ؟ !
إلى متى أنت باللذات مشغول ؟ !و أنت عن كل ما قدمت مسؤول !
فكم من شاب مات قبل ما يتوقع ؟ كم ؟ عشرات …
أنت بضعة أيام كلما انقضى يوم، انقضى بضع منك، فاسترجع هدفك، فعدم وجود هدف لك في الحياة، كجثة بلا روح، هدفك أن تعيش، تعيش !أن تأكل، أكلت، أن تنام، تنام، أن تجلس بين أسرتك، جلست معها، لا وجود لهدف !!لا تعلم لما أنت في الدنيا ، و ما غايتك فيها !
جئت من أين ؟ و لكن أتيت !
فرأيت أمامي طريقا فمشيت!
كيف جئت، كيف أبصرت طريقي لست أدري !و لماذا لست ادري ، لست ادري !
لا !لا!لم تكن أبدا هذه غاية بل و كأنك تعيش على هامش هذه الحياة، الإنسان الذي لا يعرف لما لا يتنفس في هذه الدنيا، قال تعالى: ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدوني )، نعم، لهذا خلقت، خلقت للعبادة. فتب إلى رب السماوات من ذنوبك ، أدي الصلوات الخمس ، فأجمل ما فيها السجود ، و أجمل ما في السجود أنك تهمس في أذن الأرض فيسمعك من في السماء ، اقرأ الكتاب المقدس ( القرآن) ، ابتهل إلى الله ، بر والديك ، و صاحب المؤمنين و الصالحين ، فما مضى فات ، و المؤمل غيب ، و لك الساعة التي أنت فيها ، ليس لديك غير هذه الساعة . ما مضى فات!و المؤمل لا تملكه !فاستغل كل ساعة و دقيقة و ثانية لك. قال تعالى :(لا تلهيكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ، و أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق و أكن من الصالحين) . فإنك لا تدري إذا جن الليل هل تعيش إلى الفجر، فكم من سليم مات من غير علة، و كم من سقيم عاش حين من الدهر، و كم من فتى يمسي و يصبح آمنا و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري. كل يوم نخرج من بيوتنا بشكل عمودي، لكن لا بد من أن نخرج يوما بشكل أفقي، أبدا. كل يم نخرج و نعود، لكن هناك يوم نخرج و لن نعود، كل يوم ندخل و نخرج، لكن هنا يوم ندخل و لن نخرج، نعم !هكذا الدنيا.إنها و كما قلنا في البداية بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ( اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا و سيتخطى غيرنا إلينا ). كل يوم فيه من 60 إلى 70 نعوة على الجدان و قد نقرا معظمها ، لكن لا بد من يوم يأتي يقرأ الناس فيه نعوتنا . شئنا أم أبينا !
و بهذا نختم قولنا بنصيحة الكاتبة الكويتية نادية الجار لله، كانت قد كتبت قبل موتها:
عند موتي لن أقلق و لن أهتم بجسدي فالمسلمون سيقومون باللازم و هو: 1- يجردونني من ملابسي…
2- يغسلونني …
3- يكفونني…
4- يخرجوني من بيتي…
5- يذهبون بي لمسكني الجديد ( القبر) .
و سيأتي الكثيرون لتشييع جنازتي … بل سيلغي الكثير منهم أعماله و مواعيده لأجل دفني، و قد يكون الكثير منهم لم يفكر في نصيحتي يوما من الأيام…
أشيائي سيتم التخلص منها …مفاتيحي … و حقيبتي … أحذيتي …. ملابسي و هكذا …
و إن كان أهلي موفقون فسوف يتصدقون بها لتنفعني.
تأكدوا بأن الدنيا لن تحزن علي، و لن تتوقف حركة العالم…و الاقتصاد سيستمر…ووظيفتي سيأتي غيري ليقوم بها…
و أموالي ستذهب حلالا للورثة …
بينما أنا سأحاسب عليها !
القليل و الكثير…النقير و القطمير …
و إن أول ما سيسقط مني عند موتي هو اسمي !!
لذلك عندما أموت سيقولون عني أين الجثة…؟
و عندما يريدون الصلاة علي سيقولون…
قربوا الميت و لن يذكروا اسمي !
لذلك لن يغرني نسبي و لا قلبي و لن يغرني منصبي و لا شهرتي .
فما أتفه الدنيا !
و ما أعظم ما نحن مقبلون عليه…
فيا أيها الحي الآن …
اعلم أن الحزن سيكون عليك على ثلاثة أنواع:
1- الناس الذين يعرفونك سطحيا سيقولون مسكين.
2- أصدقاؤك سيحزنون ساعات أو أيام ثم يعودون إلى حديثهم بل و ضحكهم.
3- الحزن العميق في البيت سيحزن اهلك أسبوعا، أسبوعين، شهرا، شهرين، و حتى سنة و بعدها سيضعونك في أرشيف الذكريات، انتهت قصتك بين الناس، و بدأت قصتك الحقيقية و هي الآخرة. و هذه الحقيقة تحتاج إلى تأمل ، لأنك ستعود … حتما ستعود…

ريم جريدي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى