خواطر كاتبة

   منظر الغروب

Spread the love

يبحث الإنسان في حياته على عدة أشياء و على عدة مناطق ومناظر تريح قلبه من العناء… وتريح نفسيته سواء من العمل أو من المشاكل التي يقابلها ويواجهها في رحلة عمره…لكن عندما يكون المرء في عطلة وختم يومه بمنظر الغروب…تأكد أنه فهم الحياة جيدا…وأراح نفسيته من العناء .

الغروب هو منظر يعكس الشروق تماما إذ بالشمس تطل من السماء في بداية النهار…لكن الغروب العكس تماما…حيث نفس الشمس التي تظهر في بداية النهار تغرب في آخر السماء من يومها…

ذلك اليوم الذي لن يتكرر ثانية لا الأسبوع المقبل ولا الشهر القادم ولا حتى السنة القادمة…فمثلا لو اخترنا 3/ 3/ 2022 ، هل يتكرر ؟ طبعا لا ! نعم قد يتكرر3/3 لكن ليس في 2022…ليس بنفس السنة…أو بنفس حالة الجو…أو حتى بنفس الشخصيات التي قضينا معها الوقت في ذلك اليوم المميز.

يمكن أن تكون موجودة كما يمكن أن لا تكون كذلك…حيث يكون معنا اليوم لكن ما أدرانا أنه سيغادرنا بعد ذلك…

ما أدرانا أنه سيصبح خصما لنا في الغد…وكم من غريب في الأمس أصبح صديقا اليوم

وأيضا بالنسبة للمكان ربما اليوم أنا أكتب في مقعد الدراسة هذا والسبورة تقابلني…لكن غدا لا قد لا أكون في المدرسة، وقد أتجه إلى مكتبة المدينة، أو حتى لن أكون هنا ولا هناك…

لا في البر ولا في البحر، ربما الروح ستغادر الجسد باتجاه بارئها…

فاقتراب الموت كرمشه عين، لا يعرف أي سماء شاهدته، ولا أي أرض لمسها ولا حتى في أي جوف من المحيط عبره…ولا أي روح ستكون العاشرة بعد مليون ألف روح…

تزحف كزحف المرقم بين السنابل الخضر الطائلة…ومن كان في طريقه انقضى عليه بسمه البارد ليسري إلى القلب…

تفر الروح بنفسها لاجئتا إلى معبودها الواحد الأحد فوق السماوات الطباق السبع. لا يمكن الحكم في هذه الحياة. لذلك عش يومك واستمتع بكل لحظة ودقيقة وحتى ثانية فيها…فبينا أنت تتنفس شاكيا هنا…هناك آخر يلتقط آخر أنفاسه في هذا الكون. فما الدنيا واقفة من أجل أحد، فاظهر بحلة جديدة في كل يوم لك، فلا تجعله عاديا بل ليكن مثيرا.

يوم يكتب في المذكرات و في الذاكرة يبقى راسخا. فحينما يلتقي بؤبؤ عيناك مع بؤبؤ كرة الشمس، وعندما تدخل أشعتها فيك لتريك جمال الدنيا، ولذة من أحسن عيشها بأدق تفاصيلها المميزة حيث تدخل تدريجيا في عمق البحر، لتنعكس أشعة الشمس على مياهه فيلمع لمعان الفضة في عنق الحسناء.

وإذا ضوءها تراء في جوانبه حسبت الكرة النارية ركبت فيه، إن كنت طبعا فوق الرمال الذهبية في الشاطئ…

أما إن كنت بين الجبال تأكد أنها ستظهر بأحسن حلة لك حيث تراها تتغطى بأوشحة الأشجار الباسقة للجبال المتمسكة في بعضها البعض تمسك الحلقات فيما بينها لتشكل لنا عقدا خاطفا للقلب قبل النظر حيث ينغمر الكوكب اللاّهب في اخضرار العشب مما يزيد المنظر جمالا و روعة…

فتأخذ تصبغات منه لتكون مزيجا بين احمرار شفقها واصفرار صفحتها، لتبقى تلك الصورة جزء من حياتنا.

حين يأتي وقت الرحيل تحمر السماء خجلا، ويظلم جزءها الآخر حزنا و أسا على فراق مؤنسها طول النهار…فإذا كانت ماطرة غطته بسحبها خوفا عليه من قطراتها الباردة…

وإذا غاب بكاءها ضمته لحضنها فيكون أكثر إشراقا…فهاهي ذي تنغمس شيئا فشيئا لاجئتا إلى مأواها بعدما روى الإنسان إليها همه، وبعدما عرفت كل سر وشقاء يدفنه كل امرئ في قلبه، فتأخذ يدها وهي على قلبها المحمر كحمرة الجمر، والمحترقة كالنار الغير المنطفئة…

فلعل قدومها في الغد الجديد يطفئ بعض الصراعات المتواجدة في النفس ليعوض بها كأس من الطمأنينة والاطمئنان .

لأنه ببساطة الخمس الدقائق الأخيرة من تخفي الشمس سيدرك المرء كل ما يتعلق به و بحياته…و أنه لكل شيء نهاية حتى اليوم، و أنه لا شيء سيعوض عن أي لحظة إلا الاستمتاع بها و إدراك قيمتها الحقيقية التي يجهلها أغلبيتنا.

ريمة جريدي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى