أوراق حضارية

ليون أفريقي

Spread the love

ليون أفريقي…شهر رمضان الكريم تزامن مع فصل الصيف في هذه السنة، ووالدي قلما يغادر المنزل قبل المساء، بسبب نرفزة أهل غرناطة في النهار، فخصاماتهم كانت متكررة وعلامات التقوى تظهر في مزاجهم السيئ و التي كانت علامة للتقوى لأنه وحده من لا يستطيع أن يلاحظ مدى قدرته في الحفاظ على الابتسامة تحت شمس محرقة… وحده من لايبالي بمصير المسلمين يستطيع المحافظة على الأنس والمرح في مدينة ملغمة بالحرب الأهلية ومهددة بخونة الدين.

أتيت لهذه الدنيا بقضاء العلي القدير الذي لا يرد في أواخر أيام شعبان، قبل بداية الشهر الفضيل ، ووالدتي سلمى كانت معفاة من الصيام.  في انتظار عافيتها

ووالدي محمد كان في غنى عن التذّمر، حتى في ساعات الجوع والحر، اذ أن ميلاد طفل يحمل اسمه وفي يوم ما سلاحهو هو لكل رجل مدعاةلاغتباط مشروع، وبالإضافة أنني كنت الطفل الأول الذي سمي على بركة الله ”أبو الحسن” كان والدي يقفز بدون أن يشعر  كجذع التمثال، يليّن شاربيه ويمرّر ببطء بين ابهاميه على طول لحيته مختلسا ناظريه لقبعته للطابق العلوي أين كنت نائما، إن فرحته  العارمة لم تكن شديدة وعميقة أكثر من فرحة سلمى التي كانت على الرغم من ألامها المستمرة وضعفها الشديد تشعر بميلادها للمرة الثانية بقدومي لهذا العالم، لان مولدي جعل منها المرأة المفضلة في المنزل ومنحها كل الامتيازات لسنوات طويلة.

في اليوم السابع من مولدي نادى والدي حمزة الحلاق من أجل ختاني. وعرض كل أصدقائه لمأدبة فطور، وبسبب الحالة التي كانت فيها والدتي ووردة، كلتيهما جدتاي وجواريهما اللائي كن يهممن بتحضير الوجبة.

 لم تحضر أمي الحفلة، لكنها اعترفت بخروجها خلسة بهدوء خارج غرفتها لرؤية الضيوف وسماع أحاديثهم، كان شعورها ذلك اليوم أكبر لدرجة أن أدنى تفصيل يرسخ في ذاكرتها.

التجمعات في صحن الدار…(ليون أفريقي)

تجمعوا في صحن الدار حول النافورة ذات الرخام الابيض المقطع أين المياه ترطب الجو بخريرها وعن طريق آلاف القطيرات التي تنشرها، وكان الضيوف يأكلون بشراهة أكبر اذ كنا أصلا في الايام الاولى من شهر رمضان وكانوا يفطرون في الوقت الذي يحتفلون بدخولي إلى جماعة المؤمنين، وحسب أمي من يمرح ببقايا الوليمة لليوم الموالي، كانت الوليمة حفلة ملوك حقيقية، لقد كان الطبق الرئيسي الماروزية: من لحم الغنم المحمر مع قليل من العسل، القصبر، النشاء،  اللوز، الاجاص وأيضا الجوز، بالكاد أين بدأ الموسم لتوهو أيضا الفاتايا الخضراء، لحم الجدي ممزوجة بباقة من القصبر الطازج والفتايا البيضاء محضرة بالقصبر الجاف.

سأتحدت عن الدجاج وأبناء الحمام، القوابع مع صلصتها بالحليب والجبن، الأرنب البري مطبوخ بالفرن مصدرة بالزعفران وعشرات الأطباق الأخرى التي تسردها لي أمي غالبا باستمرار …ذكرى من آخر حفلة كبيرة كانت في منزلها قبل أن تنزل لعنة السماء عليها و على عائلتها؟ ونسمعه طفل أيضا، في كل مرة أنتظر بفارغ الصبر أن تصل بطبق المويابانبت، فطيرة الجبن الساخنة بالجبن الابيض المبشور بالقرفة وغارقة في العسل من الحلويات وعجائن اللوز، أو التمور وفطائر العجين المحشوة والمعطرة بماء الورد في مثل هذه المأدبة فالضيوف لا يشربون سوى شراب اللوز.

ليون افريقي…

كانت أمي تقسم بالتقوى وكانت تأخذ الأمور بحذر حتى لا تقع في معصية. وكان ذلك فقط من أجل احترام الشهر الكريم. لقد جعل الختان مناسبة للاحتفال في بلاد الاندلس حتى لا ننسى الفعل الديني بأحيائه، ألا نروي في أيامنا هذه الاحتفال الأكثر فخرا من الجميع تلك التي نظمت آنفا ابن دحول نون طليطلة من أجل ختان حفيدة، وكل محاولات تقليده باءت بالفشل.

ألم نسق الشراب والمشروبات الروحية بينما المئات من الجواري الجميلات يرقص على أنغام جوق داني اليهودي ؟ في حفل ختاني أصرت أمي على حضور الشعراء وجوق موسيقي.

ألقوا شعرا وغنوا على جميع الاوتار… يقول لسان الحلاق لشاعر قديم من سرقسطة…سجل نهاية المأدبة وبداية الحفلة نفسها. صعد أبي الى الطابق ليضعني بين ذراعيه بينما تجمع الضيوف حول الحلاق ومساعده… وضع حمزة الشاب بدون لحية اشارة لذلك الذي بدأ يدور حول صحن الدار والفانوس بيده….ويتوقف أمام كل ضيف كان يتوجب اعطاء هدية الحلاق. وبحسب العادات كل واحد يلصق قطعة مالية مهداة فوق وجه الطفل الذي يعلن بصوت عال اسم المهيب وشكره قبل أن يتوجه نحو جاره . استمرت الحفلة بصوت العود والمزمار والرباب والطبل حتى السحور وجبة افطار الفجر…

من روائع امين معلوف/ترجمة سالي سالي

وصف الصلاة لـ إيتيان دينيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى