
في قلب لغات إفريقيا: فسيفساء حية لثراء ثقافي لا مثيل له
في أزقة سوق كارا النابضة بالحياة شمال توغو، تتردد الحوارات بلغات متعددة: الكابييه، الهوسا، المينا، والفرنسية. وفي خطوات قليلة، يجد الزائر نفسه محاطًا بجوقة لغوية تعكس الثراء الاستثنائي للتنوع اللغوي في القارة الإفريقية.
فسيفساء لغوية لا نظير لها
بأكثر من ألفي لغة موثقة، تُعد إفريقيا القارة الأغنى لغويًا في العالم. ففيها تتعايش لغات كبرى مثل السواحيلية والهوسا والفولانية مع لغات محلية أقل شهرة، غالبًا ما تكون حصرية لمجتمعات بعينها. ويعلّق البروفسور بوبكر نداي، أستاذ اللسانيات في داكار، قائلًا: “هذا التنوع يعكس عبقرية القارة الثقافية”.
في دول مثل الكاميرون ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تُستخدم مئات اللغات في التفاعلات اليومية، ما يشكل تراثًا حيًا تنتقل ملامحه من جيل إلى آخر.
بين اللغة الأم واللغة الرسمية
في العديد من الدول الإفريقية، تهيمن اللغات الاستعمارية كـالفرنسية والإنجليزية والبرتغالية على مجالات الإدارة والتعليم والإعلام. غير أن اللغات الإفريقية تظل حاضرة بقوة في المنازل والأسواق ودور العبادة والتعبيرات الثقافية.
في أبيدجان، تتعلم الطفلة عائشة، ذات الثمانية أعوام، القراءة باللغة الفرنسية، بينما تتحدث في منزلها بلغة الديولا. وتتابع معلمتها عن كثب قدرة التلاميذ على التبديل بين لغات عدة، وهي مهارة شائعة بين الأطفال في القارة.
جهود لإحياء اللغات المحلية وتعزيز مكانتها
في أرجاء القارة، تتكاثف المبادرات التعليمية والثقافية والتقنية لدمج اللغات الإفريقية في الحياة العامة. ففي تنزانيا، تُستخدم السواحيلية كلغة تعليم، أما في جنوب إفريقيا، فعدّة لغات وطنية تحظى بوضع رسمي. كما أسهمت التكنولوجيا في تسريع هذه الديناميكية، من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، والإذاعات المجتمعية، والمنصات التعليمية الرقمية باللغات المحلية.
في دوالا بالكاميرون، تحظى إذاعة أسبوعية ناطقة بلغة الباسا بشعبية واسعة. ويقول مقدم البرنامج: “هي وسيلتنا لتكريم ثقافتنا ونقلها إلى الأجيال القادمة”.
مساحة للتعبير والحوار والتوريث
تلعب اللغات الإفريقية دورًا جوهريًا في نقل القيم والمعارف والذاكرة الجماعية، وتشكل حلقة وصل قوية بين الأجيال. ومن خلال الأدب والمسرح والموسيقى، تتيح هذه اللغات سرد العالم برؤى متعددة وزاخرة.
وتواكب مؤسسات إقليمية مثل “الأكاديمية الإفريقية للغات” جهود الدول في الحفاظ على هذا الإرث وتعزيزه. وقد باتت السواحيلية، على سبيل المثال، تُدرّس في عدة دول، كما اعتُمدت كلغة عمل لدى الاتحاد الإفريقي.
مستقبل متعدد اللغات قيد التشكل
إن التعدد اللغوي في إفريقيا ليس مجرد إرث بل هو قوة حيّة، ورصيد ثقافي وإنساني يعكس تاريخ القارة وتنوع شعوبها وغنى هوياتها. وبفضل تضافر جهود المجتمعات والدول والشركاء الدوليين، تواصل هذه التعددية مسيرتها في التكيف مع التحولات المعاصرة.
في كل لغة إفريقية، يختبئ عالم من المعاني والمعارف والصلات. ومن خلالها، تكتب إفريقيا فصول حكايتها، وتبوح بأحلامها، وتصوغ ملامح مستقبلها.
مايا ب
ترجمة أنيسة براهنة