
بين أنقاض مدينة مدمّرة وتحت وطأة حصار خانق، يتساقط أطفال غزّة واحدًا تلو الآخر، ليس بفعل القصف هذه المرّة، بل بسبب الجوع. فقد أعلنت مصادر طبية فلسطينية استشهاد 66 طفلًا نتيجة المجاعة، في مشهد يجسّد الوجه الأشد قسوة للحرب: الموت البطيء بصمتٍ قاتل.
هذه الأرقام المفجعة تعكس واقعًا إنسانيًا مأساويًا، فالموت لم يعد يُدخَل عبر الطائرات فحسب، بل يُزرع أيضًا على المعابر المغلقة، وفي منع إدخال الحليب والغذاء والدواء، وفي عجز الأهل عن توفير أبسط مقومات الحياة لصغارهم.
ويعود السبب المباشر لهؤلاء الشهداء الأطفال، وفقًا للمصادر ذاتها، إلى استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، والنقص الحاد في المواد الغذائية، وخاصة حليب الرُضع والمكملات الغذائية الضرورية للرضّع والمرضى والفئات الأكثر هشاشة.
وكان تقرير سابق في مايو الماضي قد وثّق استشهاد 57 طفلًا بسبب سوء التغذية، لتستمر الأرقام في التصاعد، وسط تحذيرات متكررة من منظمة الصحة العالمية، التي كشفت أن نحو 112 طفلًا يُستقبلون يوميًا في مستشفيات غزّة لتلقي العلاج من مضاعفات سوء التغذية الحاد.
إنها كارثة إنسانية بكل المقاييس، تفاقمت بفعل التدمير الممنهج للبنية التحتية الصحية واللوجستية، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية، ما جعل الغذاء والدواء رفاهية مستحيلة في قطاع يعاني من الجوع والعطش والترويع.
عدد من المنظمات الدولية والهيئات الأممية وجّهت اتهامات مباشرة للاحتلال باستخدام الجوع كسلاح حرب. فيما وصفت السلطات الفلسطينية ما يجري بأنه “إبادة جماعية مكشوفة”، يتعدى فيها القتل حدود المعركة إلى تجفيف الحياة وحرمان الطفولة من أبسط حقوقها.
ورغم تزايد الدعوات الدولية لرفع الحصار وفتح ممرات إنسانية آمنة، يواصل الاحتلال الإسرائيلي تعنته، مستخدمًا التجويع كأداة قهر ووسيلة لفرض النزوح الجماعي، في واحدة من أبشع صور الجرائم المعاصرة ضد الإنسانية.



