
باريس – ماي 2025
في زمن “الحرية الإعلامية” المنتقاة، قررت قناة فرانس 24 أن صوت كلودي سيار لم يعد يناسب هواءها، لا لأنه فقد المهنية أو انحدر نحو الشعبوية، بل لأنه ظل – ببساطة – وفياً للسود، صادقًا مع القيم، صريحًا مع العالم، وأكثر سوادًا من أن يرضى بالرمادي.
فرانس 24: التعددية… حتى إشعار آخر
طوال سنوات، عوّدنا كلودي سيار على خط إعلامي لا يشبه سواه: فنانو إفريقيا، نضالات الكاريبي، أصوات المهمشين، وسرديات لا تمرّ عبر بوابات الاستشراق. لكنه اليوم يُقصى بهدوء من برنامجه À l’Affiche، وبدون حتى بلاغ رسمي يوضح ما إن كانت جريمته استعمال الميكروفون أم الموقف.
وبعد شهور من الصمت، تبيّن أن خروجه لم يكن بريئًا. فالرجل “أفرط” في التعاطف مع غزة، وانتقد ميزان التغطية بين دم فلسطيني يُجفف بالتحليل، وآخر إسرائيلي يُغسل بالدموع.
هل الدفاع عن السود أصبح ملفًا أمنيًا؟
منذ بداياته، لم يكن كلودي سيار صحفيًا محايدًا، بل كان منحازًا – علنًا – للحق، للهوية، للعدالة. هو من القلائل الذين جعلوا الإعلام مرآةً للمستعمَرين، لا للمستعمِرين. لكنه اليوم يدفع ثمن تلك الانحيازات.
قال البعض: “الصحافة لا تحتمل المواقف”. لكن ماذا لو أصبحت “الموضوعية” تعني أن تتجاهل المجازر وتُجمّل الاستعمار؟ هل نُلام على قول ما يجب أن يُقال؟
طرد كلودي سيار من “فرانس 24”
ساخرةٌ الوقائع، فكيف لا نسخر؟
يمكن تخيل اجتماع التحرير الأخير كالتالي:
– “سيد سيار، شكراً لمجهوداتك، لكنك تجاوزت الحد المسموح من الجرأة.”
– “هل أقنعت ضيفًا غير مرغوب؟”
– “لا، بل أقنعت مشاهدًا أصبح يفكر!”
هكذا تُكافَأ النزاهة في زمن الأرقام والسياسات: بفصلٍ ناعم، وصمتٍ يُسمّى “إعادة هيكلة”.
رغم الطرد… الصوت لا يُطفأ
ما زال كلودي سيار حاضرًا في أثير RFI عبر برنامجه الشهير Couleurs Tropicales الذي بلغ عامه الثلاثين. والأهم، أنه يخطط لإطلاق قناتين إفريقيتين مستقلتين، في شراكة مع مجموعة إعلامية كبرى من القارة. من قال إن الأبواب الفرنسية نهاية الطريق؟
الإعلام الحرّ لا يُستأذن
في زمن تُصفّى فيه الأصوات تحت شعار “التوازن”، اختار سيار أن يكون اختلالًا جميلًا في ميزان النفاق. خرج من القناة، لكنه دخل التاريخ. وربما كان خروجه إعلانًا صريحًا: الحرية لا تطلب إذنًا من أحد.
قال ذات مرة:
“أن تكون أسود، ليس مجرد لون. بل تاريخٌ ومقاومة وصوت لا يُشترى.”
ويبدو أن هذا الصوت… أزعج من لا يحب أن يسمعه.
الزئبق الأزرق