
فقدت الجزائر وإفريقيا، اليوم، واحدًا من أعظم رجالاتها وأكثرهم إخلاصًا للقارة وأهدافها التنموية، بوفاة السيد محمد عيادي، الأمين العام للجنة ربط الطرق العابرة للصحراء (CLRT)، وصاحب البصمة الخالدة في مشروع الطريق العابر للصحراء (RTS) الذي جسّد، لعقود، حلم الربط الاستراتيجي بين الجزائر وعمقها الإفريقي.
رحل السيد عيادي بعد مسيرة مهنية حافلة بالإنجازات، كرّس خلالها جهده وفكره لتعزيز التكامل الإقليمي وتحويل الصحراء من حاجز جغرافي إلى جسر للتواصل والتنمية. كان قائدًا بحجم القارة، جمع بين الرؤية الاستراتيجية والحنكة الإدارية، وقاد المشروع بتفانٍ قلّ نظيره، واضعًا نصب عينيه هدفًا واحدًا: ربط الشعوب قبل ربط الطرق.
اشتهر الفقيد بعمله الدؤوب داخل أروقة اللجنة التوجيهية للطريق العابر للصحراء منذ إنشائها في الجزائر سنة 1966، ومشاركته الفعالة في الاجتماعات القارية والدولية، أبرزها حضوره المشرّف في إكسبو 2021 دبي حيث مثّل المشروع كرمز للتعاون الإفريقي، وقدم صورة مشرقة عن الجزائر وقدرتها على قيادة المبادرات الكبرى.
لقد آمن الراحل بأن مشروع الطريق العابر للصحراء ليس مجرد بنية تحتية، بل هو مشروع قاري يختصر قرونًا من الروابط التاريخية بين شمال وجنوب الصحراء، ويجسّد التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الست الأعضاء (الجزائر، مالي، النيجر، تونس، نيجيريا، وتشاد). وكان دائم التأكيد على أن الجزائر، التي تمثل أكثر من 30٪ من شبكة المشروع، قدّمت نموذجًا في الاستثمار والدعم الفني لهذا المسار التنموي.
وعبّرت قناة دزاير نيوز، التي واكبت مسيرة السيد عيادي في عدة محطات وأجرت معه حوارات عميقة حول المشروع، عن حزنها البالغ لفقدانه، مؤكدة أن طاقمها يترحم عليه ويثمّن إرثه العظيم الذي سيظل منارة للأجيال القادمة.
برحيله، تفقد الجزائر وإفريقيا قامة من قاماتها المخلصة، لكن إرثه سيبقى نابضًا في كل كيلومتر من الطريق العابر للصحراء، وفي كل مشروع تنموي حلم به وسعى لتحقيقه.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه ومحبيه جميل الصبر والسلوان. نعم الرجال …




