
في سابقة تكشف تدهورًا مقلقًا في معايير الخطاب الإعلامي وتحلُّلًا من الضوابط المهنية والدبلوماسية، أقدمت أجهزة المخابرات التابعة لنظام المخزن المغربي على اصطناع افتتاحية منسوبة زورًا إلى صحيفة “البيان” الإماراتية، وُظِّفت لتوجيه حملة دعائية مسيئة ضد الجزائر. هذه الفبركة المفضوحة، التي لم تلبث أن انكشفت وواجهت التكذيب من مصادر موثوقة، تزيح الستار مجددًا عن النهج التضليلي الذي بات سمة لصيقة بسياسات الرباط الإعلامية، في مسعى بائس لافتعال اصطفافات إعلامية مصطنعة ضد الجزائر.
هذه الحيلة الدعائية، التي جاءت في خضم تصاعد التوترات الجيوسياسية الإقليمية، قامت على نسخ رديء لأسلوب تحريري لا يمتّ بصلة لخط صحيفة “البيان” المعروف، لا في لغته ولا في توجهاته السياسية، مما يعزّز فرضية أن الأمر دُبّر في كواليس استخباراتية، بأدوات تقنية تهدف إلى تضليل الرأي العام العربي والدولي، وبثّ وهم كاذب بوجود اصطفاف خليجي خلف أجندات النظام المغربي العدائية تجاه الجزائر.
إنّ استخدام واجهات إعلامية كقناع لأجندات استخباراتية يفضح أزمة خطاب في نظام المخزن، الذي يبدو أنه استنفد أوراقه الدبلوماسية التقليدية، فلجأ إلى أدوات التشويش والتزييف في محاولة بائسة لقلب الحقائق وتشويه صورة الجزائر، الدولة التي ما فتئت تدعو إلى الحكمة والتهدئة والتزام القانون الدولي، خاصة في ما يتعلق بالقضايا المصيرية للمنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصحراء الغربية.
المؤسف في هذه الحادثة ليس فقط سلوك المخزن نفسه، بل ما تكشفه من محاولات لجرّ وسائل إعلام دولية إلى ساحة التراشق السياسي بتقنيات رديئة، تسيء أولاً إلى الإعلام العربي وتضع مصداقيته على المحك، وتثير تساؤلات حول مدى قدرة بعض الأنظمة على التفرقة بين الإعلام كمنبر حر وبين التضليل كأداة دنيئة.
الجزائر، من جهتها، لم تنجرّ إلى مستنقع الردح الإعلامي، بل حافظت على توازنها المعهود، ووضعت ثقتها في وعي الشعوب العربية وإدراكها لما يُحاك من مؤامرات تحاك خلف الستار، مؤكدة مجددًا أن الكلمة النزيهة لا تُزوَّر، وأن من يكتب من موقع السيادة لا يحتاج إلى اختطاف افتتاحيات الآخرين.
أنيسة براهنة