
دور الرئيس وتعزيز سيادة الجزائر
منذ توليه رئاسة الجمهورية الجزائرية في ديسمبر 2019، سعى الرئيس عبد المجيد تبون إلى تعزيز سيادة الجزائر في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. جاءت رئاسة تبون في وقت حساس، حيث كانت الجزائر تمر بتحديات كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي، ومع ذلك، عمل الرئيس تبون على إعادة بناء الدولة الجزائرية بأسس قوية لتحقيق استقلالها السياسي والاقتصادي، مع الحفاظ على سمعتها الدولية ودورها الإقليمي.
1. تعزيز السيادة السياسية: القضاء على الفساد وتقوية المؤسسات
أولى عبد المجيد تبون اهتمامًا كبيرًا لتقوية سيادة الجزائر من خلال تعزيز استقرار المؤسسات السياسية الداخلية. واحدة من أولوياته الرئيسة كانت محاربة الفساد الذي طال قطاعات واسعة من الحكومة، وقد بدأ هذه المهمة بإصدار العديد من القرارات التي تهدف إلى محاكمة الفاسدين، سواء في الإدارة العامة أو في الشركات الكبرى.
تبون أكد في أكثر من مناسبة على أهمية استقلالية القضاء، وضرورة أن تكون العدالة في الجزائر بعيدة عن أي تدخلات سياسية أو إدارية. في هذا السياق، شهدت الجزائر في عهد تبون العديد من المحاكمات ضد شخصيات بارزة في النظام السابق، وهو ما رأى فيه الكثيرون خطوة هامة نحو استعادة هيبة الدولة وضمان نزاهة مؤسساتها.
إلى جانب ذلك، أطلق تبون مشروعًا لتعديل الدستور في عام 2020، الذي كان يهدف إلى تعزيز استقلالية الهيئات الدستورية مثل المجلس الدستوري، وتوسيع صلاحيات البرلمان، وتقليص سلطات الرئاسة لضمان توازن القوى في الدولة. هذا التعديل يعكس رغبة تبون في أن تكون السيادة السياسية للجزائر قائمة على أسس ديمقراطية ومؤسسات قوية.
2. السيادة الاقتصادية: التوجه نحو التنويع الاقتصادي والتقليص من الاعتماد على النفط
منذ توليه الرئاسة، عكف تبون على تنفيذ سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز السيادة الاقتصادية للجزائر وتقليل اعتمادها على عائدات النفط والغاز. لقد كان الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل كبير على صادرات المحروقات، وهي مصدر رئيسي للإيرادات الحكومية. لكن تبون كان مدركًا أن التحديات العالمية التي تواجه سوق النفط، بما في ذلك تقلبات الأسعار، يمكن أن تهدد استقرار الاقتصاد الوطني.
لذلك، أعلن تبون عن خطة تنويع الاقتصاد الوطني، والتي تهدف إلى تطوير قطاعات أخرى مثل الصناعة، الزراعة، التكنولوجيا، والسياحة. كما شجع على استثمار رأس المال الوطني، وأكد على ضرورة تحسين مناخ الأعمال في الجزائر لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، شريطة أن تكون هذه الاستثمارات متوافقة مع السيادة الوطنية ولا تمس بالمصالح الحيوية للبلاد.
إحدى أبرز سياسات تبون الاقتصادية كانت تشجيع الصناعات المحلية وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بهدف خلق فرص عمل جديدة وتقليل معدلات البطالة. بالإضافة إلى ذلك، كان تبون يروج لمشروعات ضخمة في البنية التحتية، مثل تطوير قطاع النقل والموانئ، من أجل تعزيز قدرة الجزائر على منافسة الأسواق العالمية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
3. السيادة الثقافية: الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الثقافة الجزائرية
السيادة الوطنية لا تقتصر على الجانب السياسي والاقتصادي فقط، بل تشمل أيضًا الحفاظ على الهوية الثقافية. منذ بداية حكمه، كان تبون يولي أهمية خاصة لتعزيز الثقافة الجزائرية وحمايتها من أي محاولات تهميش أو تغييب. وقد ظهرت هذه الرؤية في تشجيعه على ترسيخ الثقافة الأمازيغية كجزء من الهوية الوطنية، حيث تم تعميم اللغة الأمازيغية في المؤسسات الحكومية وفي التعليم.
تبون وتعزيز سيادة الجزائر
تبون أيضًا أطلق مشاريع ثقافية تهدف إلى إعادة إحياء التراث الوطني الجزائري وتعريف الأجيال الجديدة بتاريخ بلادهم. كما أبدى اهتمامًا كبيرًا بإعادة الاعتبار للفن والسينما الجزائرية، حيث عمل على تقديم دعم حكومي للعديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي تسلط الضوء على التاريخ الجزائري، وخاصة فترة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي.
4. السيادة الخارجية: موقف الجزائر الثابت في السياسة الدولية
على الصعيد الدولي، سعى الرئيس تبون إلى أن تكون الجزائر أكثر استقلالية في اتخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية، وركز على تعزيز علاقاتها مع الدول الصديقة والحفاظ على موقفها الثابت في العديد من القضايا الدولية. واحدة من أولويات تبون كانت الحفاظ على المواقف الجزائرية التقليدية فيما يتعلق بالقضايا الإفريقية والعربية، مثل دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة في قضية الصحراء الغربية.
في هذا السياق، بذل تبون جهودًا دبلوماسية لتقوية العلاقات مع الدول الأفريقية والعربية، مؤكدًا على أهمية تعزيز التعاون جنوب-جنوب. كما عمل على تعزيز علاقات الجزائر مع دول العالم النامي التي تشارك الجزائر نفس القيم والمبادئ، مثل دول أمريكا اللاتينية وشرق آسيا.
ومن جهة أخرى، سعى تبون إلى إعادة بناء علاقات الجزائر مع القوى الكبرى في العالم، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، مع التركيز على المصالح الوطنية. حيث كان يسعى دائمًا إلى ضمان استقلال القرار الجزائري في علاقاته الدولية وعدم التدخل في شؤون الجزائر الداخلية من قبل أي دولة أو قوة أجنبية.
5. التحديات التي تواجه سيادة الجزائر تحت حكم تبون
رغم النجاحات التي حققها تبون في تعزيز سيادة الجزائر، إلا أنه يواجه العديد من التحديات، بعضها داخلي والآخر خارجي. داخليًا، يظل تحدي الفساد عائقًا كبيرًا أمام أي جهود لتنمية الاقتصاد وتعزيز المؤسسات السياسية. كما أن الوضع الاقتصادي العام لا يزال هاجسًا كبيرًا، إذ أن الجزائر بحاجة إلى تحقيق تنوع اقتصادي حقيقي للتغلب على التبعية للمحروقات.
أما خارجيًا، فتظل التوترات مع بعض القوى الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الصحراوية والعلاقات مع الجوار، واحدة من التحديات التي تواجه تبون في تعزيز سيادة الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، يواجه تبون ضغطًا من الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري في النظام السياسي.
6. الختام
من خلال عمله المستمر على تعزيز سيادة الجزائر في مختلف الأصعدة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، يسعى الرئيس عبد المجيد تبون إلى بناء دولة قوية ومستقلة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ومع أن الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق كل الأهداف المرجوة، فإن تبون قد وضع الأسس اللازمة لتحقيق هذه السيادة، ويظل مستمرًا في جهوده لبناء الجزائر الجديدة التي تحترم استقلالها الوطني وتضمن حقوق شعبها في مختلف المجالات.
أنيسة براهنة