
التحديات الاقتصادية
التي واجهت الجزائر قبل تولي تبون الرئاسة
منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر في ديسمبر 2019، كانت التحديات الاقتصادية واحدة من أبرز الملفات التي تتصدر أولويات الحكومة الجزائرية. فقد ورثت الجزائر اقتصادًا يعاني من تبعية مفرطة للنفط والغاز، في ظل تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتفاقم مشاكل البطالة، وزيادة الدين العام. إلى جانب ذلك، تواجه البلاد تحديات أخرى تتعلق بتقليص الاعتماد على النفط، وتحقيق تنمية مستدامة في قطاعات أخرى مثل الصناعة والفلاحة، والتكنولوجيا. في هذا السياق، سعى تبون إلى معالجة هذه التحديات من خلال مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق التنوع الاقتصادي، جذب الاستثمارات الأجنبية، و تحقيق استقرار اقتصادي في ظل التغيرات العالمية والمحلية.
التحديات الاقتصادية التي واجهت الجزائر قبل تولي تبون الرئاسة
منذ بداية الألفية الجديدة، كانت الجزائر قد اعتمدت بشكل رئيسي على إيرادات النفط والغاز في تمويل ميزانيتها. لكن مع تراجع أسعار النفط في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد 2014، بدأ الاقتصاد الجزائري في مواجهة العديد من الصعوبات، وأبرز هذه التحديات:
1. الاعتماد المفرط على النفط والغاز: يشكل قطاع النفط والغاز حوالي 98% من إيرادات الجزائر من العملة الصعبة. هذا الاعتماد الكبير جعل الاقتصاد الجزائري شديد التأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية، حيث تأثرت الميزانية العامة بشكل كبير في أعقاب انخفاض أسعار النفط.
2. البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب: يعتبر ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب الجزائري أحد التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد، حيث تصل نسبة البطالة إلى أكثر من 25%، وهو ما يفاقم مشكلات الفقر والاحتجاجات الاجتماعية.
3. البيروقراطية وضعف الحوكمة: يعاني القطاع الخاص في الجزائر من البيروقراطية، وتعقيد الإجراءات الإدارية التي تعيق إطلاق المشاريع الاستثمارية، خاصة في القطاع الخاص المحلي والأجنبي. هذه المشكلات أسهمت في عزوف الكثير من الشركات الأجنبية عن الاستثمار في الجزائر.
4. ضعف التنوع الاقتصادي: على الرغم من الإمكانيات الطبيعية والبشرية التي تمتلكها الجزائر، إلا أن الاقتصاد بقي معتمدًا بشكل شبه كامل على قطاع النفط والغاز، مما جعل فرص النمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطية محدودة.
5. التضخم والديون الداخلية: بالإضافة إلى انخفاض الإيرادات من النفط، عانت الجزائر من التضخم وارتفاع الدين العام الداخلي، وهو ما أثقل كاهل الاقتصاد الوطني.
التحديات الاقتصادية
التي واجهت الجزائر قبل تولي تبون الرئاسة
الإصلاحات الاقتصادية في عهد تبون
منذ توليه السلطة، تبنى عبد المجيد تبون سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق التنوع الاقتصادي، تقليص الاعتماد على النفط، و تحقيق التنمية المستدامة. فيما يلي أبرز الخطوات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية في هذا السياق:
1. إصلاح قانون الاستثمار
في إطار سعيه لتعزيز التنوع الاقتصادي، أطلق تبون إصلاحات في قانون الاستثمار في الجزائر. كان الهدف من هذه الإصلاحات هو تحسين بيئة الأعمال في البلاد وجذب الاستثمارات الأجنبية. من أبرز هذه الإصلاحات:
إلغاء شرط الاستثمارات الأجنبية في المشاريع الكبرى بأن تكون مرتبطة بشكل مباشر مع الدولة الجزائرية .. الأمر الذي كان يعد من العقبات الرئيسية أمام جذب الاستثمارات الأجنبية.
إعادة النظر في النظام الضريبي، حيث تم تخفيض بعض الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة التي تساهم في دعم التصنيع المحلي.
إنشاء صندوق دعم الاستثمارات لتقديم القروض الميسرة للمستثمرين، خاصة في القطاعات الصناعية، الزراعة، والتكنولوجيا.
2. دعم القطاع الصناعي الوطني
من بين أولويات تبون تعزيز القطاع الصناعي الوطني وتقليص الفجوة بين الجزائر والدول المتقدمة في هذا المجال. تبنت الحكومة الجزائرية خطة لتطوير الصناعات التحويلية، التي تساهم في إنتاج السلع المحلية لتقليص فاتورة الواردات. وتشمل هذه الصناعات:
صناعة السيارات: أطلقت الجزائر برنامجًا لدعم صناعة السيارات في البلاد بهدف تقليل استيراد السيارات. تم توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية لتأسيس مصانع لتجميع السيارات في الجزائر.
الصناعات الثقيلة والخفيفة: تم التركيز على تنمية الصناعات الحديدية، الكيميائية، والمنسوجات من خلال إنشاء مناطق صناعية جديدة وتوفير تسهيلات للمستثمرين.
3. تنمية القطاع الزراعي
أحد الأهداف الرئيسية لإصلاح الاقتصاد في الجزائر هو تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وتقليص واردات المواد الغذائية. في هذا الصدد، تم اتخاذ عدة خطوات لتحفيز الزراعة في البلاد، مثل:
إطلاق برامج تمويل الفلاحين لتطوير الأراضي الزراعية، وتحسين الإنتاج في مجالات مثل الزراعة المائية والزراعة العضوية.
التركيز على الاستثمار في الأراضي الصحراوية لتوسيع المساحات المزروعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض السلع مثل القمح والزيت.
تقديم دعم مباشر للمزارعين لتشجيعهم على استخدام تقنيات جديدة مثل الزراعة الذكية.
4. تطوير قطاع الطاقة المتجددة
في سياق الجهود الرامية لتقليص الاعتماد على الطاقة التقليدية (النفط والغاز)، أطلقت الجزائر مشروعات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة. الجزائر تملك إمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية والرياح، مما يتيح لها فرصة للتحول إلى مصدر رئيسي للطاقة المتجددة في المستقبل. من أبرز ما تم في هذا القطاع:
مشروعات للطاقة الشمسية في جنوب البلاد، حيث توجد الأراضي الواسعة المشمسة التي يمكن استغلالها لتوليد الكهرباء.
إنشاء محطات للطاقة الريحية في المناطق الساحلية لتوليد الكهرباء من الرياح.
5. مكافحة البطالة وتحفيز الشباب
من أبرز التحديات التي يواجهها الاقتصاد الجزائري هي مشكلة البطالة، خاصة بين الشباب. تبنّت الحكومة الجزائرية عددًا من السياسات لتوفير فرص عمل جديدة، منها:
دعم مشروعات ريادة الأعمال عبر تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم استشارات ودورات تدريبية.
تشجيع التوظيف في القطاع الخاص من خلال تقديم إعفاءات ضريبية للمؤسسات التي توظف شبانًا.
إطلاق مشروعات للبنية التحتية في مختلف أنحاء البلاد لخلق فرص عمل جديدة.
التحديات التي لا تزال قائمة
رغم الإصلاحات والجهود المبذولة، لا تزال الجزائر تواجه العديد من التحديات الاقتصادية التي قد تؤثر على نجاح خطط الإصلاح:
1. التحديات المرتبطة بالبترول: رغم تنوع الاقتصاد، تظل الجزائر تتعرض للضغوط الناتجة عن تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، مما يعرقل الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
2. البيروقراطية: لا يزال نقص الشفافية والبيروقراطية من أبرز المعوقات أمام الاستثمارات، حيث يواجه المستثمرون الأجانب والمحليون صعوبات في تنفيذ مشاريعهم بسبب الإجراءات المعقدة.
3. التنفيذ البطيء للإصلاحات: تبقى سرعة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية محدودة في بعض الأحيان بسبب المقاومة السياسية أو التحديات التقنية.
4. الديون الداخلية: لا تزال الجزائر تواجه عبئًا ثقيلًا من الديون الداخلية التي ترفع التحديات أمام قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية.
تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، تسعى الجزائر إلى التغلب على التحديات الاقتصادية التي تواجهها من خلال سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تنويع الاقتصاد، تحقيق الاستقرار المالي، و تقليص الاعتماد على النفط. ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن الإصلاحات الحالية تُمثل خطوة هامة نحو بناء اقتصاد أكثر استدامة وقادر على تلبية احتياجات المواطنين في المستقبل. تحتاج الجزائر إلى مواجهة التحديات المتعلقة بالبيروقراطية، تنفيذ الإصلاحات بشكل أسرع، وضمان استقرار بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات، ولكن مع الإرادة السياسية والإصلاحات الجذرية، يمكن للجزائر أن تحقق التنمية الاقتصادية المستدامة.
قدم هذا المقال تحليلاً شاملاً للتحديات الاقتصادية التي واجهتها الجزائر تحت قيادة تبون. والإصلاحات التي تم تنفيذها للتغلب عليها، مع النظر في الآفاق المستقبلية للاقتصاد الجزائري.
أنيسة براهنة