
الإنتاج المحلي للأنسولين في الجزائر
نموذج للسيادة الصحية والتنمية الاقتصادية
في خطوة غير مسبوقة، نجحت الجزائر في تحقيق إنجاز تاريخي يعزز استقلالها الصحي عبر الإنتاج المحلي للأنسولين، وذلك بفضل الجهود الرائدة لشركة “بيوكير بيوتيك”. يُمثل هذا الإنجاز تحولاً نوعياً في مواجهة تحديات مرض السكري، الذي يصيب 15% من السكان البالغين، أي حوالي 4 ملايين شخص، منهم 1.5 مليون بحاجة ماسة لعلاج الأنسولين.
لطالما اعتمدت الجزائر على استيراد الأنسولين، ما فرض عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني مع فاتورة استيراد بلغت 400 مليون يورو سنوياً. لكن، بفضل استثمار بقيمة 5 مليارات دينار، أطلقت بيوكير أول إنتاج محلي للأنسولين تحت اسم “GLARUS” في مايو 2023. يُنتج هذا الدواء بتقنية “المعالجة الكاملة” (Full Process) بدءًا من البلورات، بطاقة إنتاجية تتجاوز 12 مليون علبة سنوياً، وهو ما يفوق احتياجات السوق المحلي ويوفر 120 مليون يورو سنوياً من تكاليف الواردات.
استمراراً لهذا التوجه، أطلقت بيوكير في سبتمبر 2024 نوعين جديدين من الأنسولين، BioRapid® وBioMix®، بنفس التقنيات المتطورة والمعايير الصارمة للصناعة الصيدلانية العالمية. وقد تم تخصيص استثمار إضافي بقيمة 8 مليارات دينار لإنشاء موقع إنتاج جديد لأنواع مختلفة من الأنسولين، ما يُتوقع أن يحقق اقتصاداً إضافياً بقيمة 300 مليون يورو سنوياً، فضلاً عن تعزيز فرص العمل من خلال توفير 2000 وظيفة حالياً، مع توقعات بزيادة هذا العدد في المستقبل.
لا تقتصر جهود بيوكير على الإنتاج فقط، بل تشمل مبادرات توعوية وتعليمية تهدف إلى تحسين إدارة مرض السكري. أطلقت الشركة برامج تعليمية علاجية لدعم المرضى، إلى جانب حملات توعوية وطنية حول السكري والسمنة شملت آلاف المواطنين. كما وفرت برامج تدريب لأكثر من 3000 طبيب بالتعاون مع جمعيات علمية، مما يسهم في تحسين رعاية المرضى وتطوير المهارات الطبية.
يمثل هذا الإنجاز نموذجاً للصناعة الصيدلانية الوطنية التي تجمع بين الابتكار والجودة. من خلال تقليل الاعتماد على الواردات وضمان توافر العلاجات الحيوية محلياً، تعزز بيوكير السيادة الصحية للجزائر وتضع البلاد في موقع الريادة ضمن القارة الإفريقية. إن مبادرات كهذه تُثبت أن الاستثمار المحلي في الصناعات الحيوية ليس فقط ضرورة صحية، بل هو أيضاً رافعة اقتصادية تُسهم في التنمية المستدامة.
تُعد بيوكير مثالاً حياً على كيف يمكن لرؤية استراتيجية وتعاون مثمر بين القطاعين العام والخاص أن تُحدث تغييراً حقيقياً في حياة المواطنين، وتضع البلاد على مسار جديد نحو مستقبل أكثر استقلالية وازدهاراً.