
الإعلام الرياضي في الجزائر بين أخلاقيات المهنة وفوضى الممارسة ، قراءة نقدية في واقع يهدّد الوعي الجماعي ويدعو إلى اليقظة والمسؤولية
يشهد المشهد الإعلامي الرياضي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة تحوّلاً مقلقًا، انتقل فيه من منبر للتنوير والتثقيف إلى فضاء تغزوه الفوضى والتهريج والسطحية. لقد تراجع الدور التربوي والتنويري للإعلام الرياضي أمام هيمنة منطق السوق والإثارة، حتى أصبحت الحقيقة تضيع وسط ضجيج الأصوات وتضارب المصالح، وتحوّل النقاش الرياضي إلى ساحة للجدل العقيم بدل أن يكون فضاءً لبناء الوعي الجماعي.
إنّ الإعلام الرياضي، في جوهره، رسالة تربوية وثقافية سامية، هدفها نشر الثقافة الرياضية وتوسيع قاعدة الممارسة البدنية، وبناء وعي وطني متزن يسهم في تحقيق التنمية وتعزيز روح المواطنة والانتماء.
فالإعلام الرياضي الحقيقي لا يلهث وراء الإثارة، بل يربط الممارسة الرياضية بالقيم الأخلاقية، ويُحفّز الشباب على التنافس الشريف، والتعبير عن الفوز دون تجاوز، وتقبّل الهزيمة بروح رياضية عالية.
لكن الواقع الحالي يُظهر انحرافًا خطيرًا عن هذا المسار؛ إذ غابت الرؤية التربوية والتوعوية، وحلّ محلها منطق الربح والظهور والشهرة، وأصبح مفهوم الرياضة يُختزل في الجدل والمشاحنات وتبادل الاتهامات.
وباتت بعض المنابر الإعلامية تفضّل استضافة مثيري الجدل والتهريج على حساب الخبراء والأكاديميين الذين يملكون الحجة والمعرفة، في حين تتسابق القنوات إلى نشر الأخبار دون تحرٍّ أو تدقيق، ما أضعف ثقة الجمهور في المعلومة وفقد الإعلام الرياضي مصداقيته وهيبته.
أما على منصات التواصل الاجتماعي، فقد تفاقم الوضع أكثر؛ إذ صار الخوض في الشأن الرياضي متاحًا للجميع دون ضوابط أو معرفة، فانتشرت الشائعات والتحليلات السطحية، وأصبح الجمهور يعيش على وقع الأخبار الزائفة والمبالغات، مما يؤثر على تماسك الرأي العام ويهدد البناء النفسي والاجتماعي للمجتمع الجزائري.
ويرجع هذا التدهور في جزء كبير منه إلى ضعف التكوين الأكاديمي في ميدان الإعلام الرياضي، وتسلّل الدخلاء الذين لم يتلقوا أي إعداد علمي أو مهني. فكثير من الوجوه التي تملأ الشاشات تفتقد لأبسط قواعد العمل الصحفي، وتستغل المنابر لأغراض شخصية، بعيدًا عن الموضوعية والاحتراف واحترام أخلاقيات المهنة.
لقد أصبح بعض القنوات يعتمد على الاستفزاز والإثارة كوسيلة لجذب المتابعين، بدل تقديم تحليل علمي وعملي للأداء والتسيير الرياضي، وهو ما يعمّق من أزمة الممارسة الإعلامية.
إن إصلاح الإعلام الرياضي يتطلّب رؤية علمية وتربوية شاملة، تبدأ من إعادة الاعتبار إلى التكوين الأكاديمي والتدريب الميداني، باعتبارهما حجر الزاوية في بناء جيل من الإعلاميين الرياضيين الأكفاء.
ومن الضروري أن تبادر وزارة التعليم العالي إلى فتح شُعب خاصة بالإعلام الرياضي التربوي في الجامعات، وإشراك الأكاديميين والخبراء في رسم سياسات التكوين، بما يضمن استعادة مهنة الصحافة الرياضية لهيبتها، وحماية الأجيال القادمة من التمييع والتسطيح الإعلامي.
في الختام، لا يمكن للإعلام الرياضي في الجزائر أن ينهض من واقعه المأزوم إلا بعودة الوعي إلى جوهر رسالته، وبإعلاء قيم المسؤولية والمصداقية والنزاهة فوق كل اعتبارات الربح والسبق.
إنّ إصلاح هذا القطاع الحيوي لا يتحقق بالشعارات، بل عبر تكوين علمي صارم، وإرادة مهنية صادقة تعيد للرياضة معناها النبيل وللإعلام مكانته كقوة بناء لا كأداة تفرقة.
فالإعلام الرياضي ليس مجرد تعليق على المباريات، بل هو صوت للوطن وضمير للمجتمع، وإذا صمت هذا الضمير أو انحرف، ضاع الوعي الجماعي الذي يُوحِّدنا جميعًا حول راية واحدة هي الجزائر.
✍️ بقلم الأستاذ الدكتور أحمد بوسكرة




