
أطفال إفريقيا بين جراح الحاضر وأحلام الغد
في زحمة الضجيج العالمي ووسط الأزمات التي لا تهدأ، يمرّ اليوم العالمي للطفولة، في الأول من يونيو، كتاريخ لا ينبغي أن يُكتفى فيه بالاحتفال، بل يفرض على الضمير الجمعي لحظة تأمل عميق. ففي إفريقيا، حيث الطفولة غالبًا ما تُختزل في مشاهد من الصمود، تتوارى البراءة خلف كفاح يومي للبقاء، بينما تواصل القارة إنجاب أحلام كبيرة بأجساد صغيرة.
بين الأزقة الضيقة التي تختنق تحت سماء ملبدة بالغبار، كما في أحياء كيبيرا بالعاصمة الكينية نيروبي، يتردد ضحك الأطفال رغم قسوة الواقع. حفاة، يركلون علبة صدئة، ويتشبثون بلعبة بسيطة كمن يتشبث بالحياة نفسها. في الطرف الآخر من القارة، تصحو غريس، ذات الأحد عشر عامًا، في الخامسة صباحًا لتبيع الفول السوداني قبل التوجه إلى المدرسة، إن استطاعت. أسرتها هربت من ويلات الحرب في جنوب السودان، لكنها اصطدمت بفقر جديد في مخيمات اللجوء. مثلها ملايين الأطفال الأفارقة الذين لا تعني لهم المدرسة استحقاقًا طبيعيًا، بل حلمًا هشًا محفوفًا بالعقبات.
لا تزال التقارير الدولية تشير بقلق إلى أكثر من ثلاثين مليون طفل إفريقي محرومين من حق التعليم. في مناطق النزاع، تصبح المدارس ثكنات أو ملاجئ، كما هو حال ميشلين في شرق الكونغو الديمقراطية، التي لم تطأ قدماها قاعة الدراسة منذ ستة أشهر بعد تحويل مدرستها إلى مأوى للنازحين. لكن، وسط العتمة، تومض ومضات أمل. في رواندا مثلًا، أدّت إرادة سياسية واضحة إلى تعميم التعليم الابتدائي بنسبة تجاوزت 95%، في تجربة تؤكد أن الحلول ليست مستحيلة متى وُجد العزم والرؤية.
في شمال بوركينا فاسو، كانت مريم، ذات الثلاثة عشر ربيعًا، على مشارف زواج قسري من رجل يكبرها بثلاثة عقود، لولا تدخل شجاع من معلمتها. اليوم، تحلم بأن تصبح محامية تدافع عن الفتيات اللواتي يُغتصب حقهن في الطفولة. في إفريقيا، لا تزال اثنتا عشرة مليون فتاة سنويًا تواجه خطر الزواج المبكر، أو الختان، أو الاستغلال في العمل المنزلي. ومع ذلك، تتشكل حركات شبابية داخل المجتمعات، تقودها فتيات وفتيان أصبحوا ناشطين في الدفاع عن حقوقهم، بكثير من الجرأة والأمل.
وفي أحد أحياء أبيدجان الشعبية، يجد الأطفال ملاذًا يوميًا في مركز رقمي تعليمي. هناك، يبدع الطفل توماس، ابن العشر سنوات، في برمجة ألعابه الخاصة، ويحلم بصنع روبوت ينظف شوارع مدينته. هذه القصص، وإن بدت فردية، تعكس وجهًا آخر لأفريقيا: وجه الإبداع المتحدي للقيود. من الإذاعات المدرسية إلى المكتبات المتنقلة، ومن المنصات الرقمية إلى المبادرات الأهلية، تتكاثر المشاريع التي تراهن على الإنسان أولًا، وترى في الأطفال استثمارًا استراتيجيًا لمستقبل القارة.
إن اليوم العالمي للطفولة ليس مناسبة رمزية لتوزيع الألعاب، بل لحشد الإرادات والسياسات، وضمان الحقوق الكاملة والدائمة للطفل. الأطفال لا يطلبون معجزات، بل من يصغي إليهم بصدق، ويصدقهم، ويضمن لهم أن يكون الغد مختلفًا. قالها طفل نيجيري في الثانية عشرة من عمره بعبارة تختزل كل الرسائل: “لا نريد هدايا ليوم واحد، نريد أن نُحمى كل يوم”.
فهل من مجيب؟