آخر الأخباردوليا
أخر الأخبار

الصحة حقي… فهل تنال إفريقيا حقها؟

Spread the love

الصحة حقي… فهل تنال إفريقيا حقها؟

في السابع من أبريل من كل عام، يحيي العالم “اليوم العالمي للصحة”، مناسبة تُسلَّط فيها الأضواء على القضايا الصحية الكبرى. ويحمل شعار هذه السنة، الذي اختارته منظمة الصحة العالمية، “صحتي، حقي”، نداءً قويًّا يتردد صداه في أرجاء إفريقيا، حيث لا يزال مئات الملايين من السكان يكافحون يوميًا للحصول على أبسط مقومات الرعاية الصحية.

حق أساسي لا يزال بعيد المنال

في إفريقيا جنوب الصحراء، لا يزال أكثر من نصف السكان محرومين من الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية. فالمياه النظيفة، والأدوية، والبنى التحتية الصحية، واللقاحات، والتغطية الصحية، تبقى جميعها امتيازات محصورة في يد قلة من المحظوظين.

وتُظهر أرقام منظمة الصحة العالمية أن أمراضًا يمكن الوقاية منها، مثل الملاريا والسل والإسهال، تتسبب سنويًا في مئات الآلاف من الوفيات بسبب غياب الوقاية والعلاج الملائم، وتدفع الفئات الأضعف – لا سيما النساء، والأطفال، وسكان المناطق الريفية والنازحين – الثمن الأغلى.

أنظمة صحية هشّة وتمويل ضئيل

تعاني المنظومات الصحية في أغلب الدول الإفريقية من ضعف شديد، حيث تعاني المستشفيات من نقص حاد في الطواقم والمعدات وحتى في البنى التحتية الأساسية. ولا تخصص معظم الدول الإفريقية سوى أقل من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي للقطاع الصحي، وهو ما يقل بكثير عن توصيات منظمة الصحة العالمية.

وتفاقم ظاهرة “هجرة الأدمغة” الطبية من الأزمة، إذ يختار آلاف الأطباء والممرضين والباحثين الإفريقيين العمل خارج بلدانهم بسبب الظروف المهنية المتردية محليًا.

النزاعات المسلحة… الكارثة الصامتة للصحة

تزيد النزاعات المسلحة الطين بلّة، فتدمر المستشفيات ومراكز التطعيم وسلاسل الإمداد الطبي، وتترك ملايين المهجرين واللاجئين محرومين تمامًا من الرعاية. وفي مناطق مثل السودان، والكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، والقرن الإفريقي، تتحول الأمراض المنسية مثل الكوليرا والحصبة إلى أوبئة فتاكة في المخيمات المكتظة وغير الصحية.

كما تستخدم بعض الجماعات العنف الجنسي كسلاح، مسببة جراحًا جسدية ونفسية جماعية، فيما تعرقل الحروب حملات التطعيم كما يحدث في شرق الكونغو حيث تصعب مكافحة الإيبولا وشلل الأطفال.

في هذه البيئات، تصبح الصحة أولى ضحايا الحرب، ولكن بصمت.

الجزائر… نموذج للالتزام الصحي

على النقيض، تبرز الجزائر كنموذج للدولة التي جعلت من الصحة حقًا دستوريًا، ورسّخت مجانية العلاج كمبدأ أساسي. ويغطي نظامها الصحي العمومي جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الصحراوية النائية.

وعززت الحكومة الجزائرية جهود الوقاية والتلقيح وصحة الأمومة، حيث فاقت نسب تغطية تلقيح الأطفال 90%. وتم تنفيذ حملات ناجحة للكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم. كما استثمرت الجزائر في الصناعة الصيدلانية الوطنية، ما جعلها من الروّاد في شمال إفريقيا.

وخلال جائحة كوفيد-19، أظهرت الجزائر قدرة كبيرة على الصمود من خلال إطلاق منصة وطنية لتتبع الحالات وإنتاج اللقاحات بشراكات دولية.

دروس كوفيد-19… نحو السيادة الصحية

كشفت أزمة كورونا هشاشة الاعتماد على الخارج في مجال الأدوية واللقاحات، لكنها حفّزت في الوقت نفسه وعيًا متزايدًا بأهمية السيادة الصحية. وقد برزت مبادرات واعدة في القارة، مثل معهد باستور في دكار، والقطب الصيدلاني في رواندا، والقطب البيوتكنولوجي في قسنطينة بالجزائر.

وأطلقت الاتحاد الإفريقي سنة 2021 “الوكالة الإفريقية للأدوية” لتوحيد المعايير وتسريع الموافقات.

تقدّم ملحوظ… لكن الفجوات باقية

لا يمكن إنكار التقدم المحقق، خصوصًا في انخفاض وفيات الأطفال وتحسن مكافحة فيروس نقص المناعة (الإيدز) بفضل حملات التوعية والفحص. كما بدأت الرقمنة تفرض وجودها تدريجيًا من خلال الطب عن بعد.

غير أن هذا التقدم لا يطال الجميع بالتساوي؛ ففي حين تتوفر خدمات طبية عصرية في بعض الحواضر، لا يزال ملايين الأفارقة يقطعون عشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام لرؤية ممرض، بينما تُترك مجتمعات كاملة في مناطق النزاع لمصيرها المجهول.

الصحة الشاملة… الأولوية القصوى

يجمع خبراء الصحة الأفارقة في هذه المناسبة على ضرورة:

تحسين تكوين العاملين الصحيين وتحفيزهم للبقاء

الاستثمار في البنية التحتية بالمناطق الريفية ومناطق ما بعد النزاع

تعزيز إنتاج الأدوية واللقاحات محليًا، إقامة أنظمة للتغطية الصحية الشاملة، حماية المؤسسات الصحية أثناء الحروب،

“صحتي، حقي”… ولإفريقيا الحق أيضًا

لا ينبغي لشعار “صحتي، حقي” أن يبقى مجرد نداء عالمي، بل يجب أن يتحول إلى واقع ملموس في إفريقيا. ويتطلب ذلك إرادة سياسية تجعل من الصحة ركيزة للتنمية، لا قطاعًا هامشيًا. فبدون صحة، لا تعليم، ولا إنتاج، ولا مستقبل.

تمتلك إفريقيا الكفاءات البشرية، والموارد الطبيعية، والإمكانات الضرورية لبناء منظومة صحية متينة ومنصفة. ويبرهن المثال الجزائري أن النتائج ممكنة حين تتوفر الرؤية والاستثمار. لكن لا بد من تحرّك عاجل من أجل الدول الغارقة في النزاعات، فالصحة لا تنتظر السلام.

بقلم : ك. أمير

ترجمة أنيسة براهنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى