
عودة الشبح… الغزال الصحراوي يظهر مجددًا في صحراء الجزائر وسط آمال حذرة
في أعماق صحراء الطاسيلي ناجر، حيث ترقص الرمال على أنغام الريح وتحرس الجبال الرملية أسرار آلاف السنين، عاد طيف من الماضي ليبعث الأمل في نفوس عشاق الحياة البرية: الفهد الصحراوي. هذا الحيوان الرمزي الذي اختفى لعقود، يعاود الظهور في الصحراء الجزائرية في مشهد يشبه المعجزة، لكنه يحمل في طياته الكثير من التحديات.
عودة غير متوقعة
في عام 2024، التُقطت أولى الأدلة المصورة التي لا تقبل الشك. فقد نصبت فرق من علماء البيئة الجزائريين والدوليين فخاخًا تصويرية في منطقة تادرارت، سجلت صورًا واضحة لفهد صحراوي، وهو نوع مدرج ضمن قائمة “الانقراض الحرج” بحسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. وكانت هذه أول مشاهدة مؤكدة منذ أكثر من 30 عامًا.
تقول الدكتورة ياسمين مخلوفي، عالمة أحياء جزائرية: “إنه لحظة تاريخية بحق. كنا نعتقد أن هناك أفرادًا منعزلين قد يكونون على قيد الحياة، لكن رؤيتهم يعودون إلى موطنهم الطبيعي أمر مذهل.”
ملاذ مهدد
رغم قسوته الظاهرة، يحتضن الصحراء الكبرى تنوعًا بيولوجيًا فريدًا. وقد عانى الفهد الصحراوي طويلًا من الصيد الجائر، وانخفاض أعداد فرائسه من غزلان وأرانب وقوارض، إضافة إلى تدمير موائله بفعل النشاط البشري.
ويرجع الفضل في عودته إلى عوامل متعددة: من بينها توسع الحماية البيئية في محميات مثل حديقة الطاسيلي ناجر الوطنية، وتنامي الوعي المحلي، وتراجع الحركة السياحية خلال جائحة كورونا، مما أتاح للطبيعة بعض الوقت للتنفس.
تعايش هش
في جانت، على مشارف الطاسيلي، استقبلت المجتمعات التارقية الخبر بشيء من الاعتزاز. يقول أكلي، أحد المرشدين المحليين: “الفهد جزء من تاريخنا، هناك أساطير تتحدث عنه. عودته وكأنها استعادة لتوازن الأرض.”
لكن هذا التعايش لا يخلو من التحديات. إذ يتطلب الأمر آليات دائمة للمراقبة، وحماية للفرائس الطبيعية، ومخططات لمنع النزاعات المحتملة، خاصة إذا ما اقتربت الفهود من مناطق الرعي.
وزارة البيئة، بالتعاون مع منظمات غير حكومية، أطلقت برنامجًا لتتبع الفهود عبر أطواق GPS، وشددت الإجراءات في المناطق البيئية الحساسة. كما أطلقت حملات توعوية في المدارس والقرى المحلية.
عودة الفهد الصحراوي إلى الجزائر ليست فقط بشرى بيئية، بل هي رسالة رمزية تحمل الأمل في إمكانية التوازن بين الإنسان والطبيعة. غير أن هذا الأمل يبقى هشًا… ففي صمت الصحراء، يبقى النسيان هو العدو الأكبر.
كاميليا أمير
ترجمة أنيسة براهنة