
سوريا بين التعفن السياسي وخطر الانقسام
رؤية شاملة للأزمة
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، دخلت البلاد في دوامة من العنف، القمع، والتدخلات الإقليمية والدولية، التي جعلت الوضع في سوريا يتعفن سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. النظام الحاكم، الذي يقدّم نفسه كحامي السيادة السورية، يواجه اتهامات بأنه السبب الرئيسي لانهيار البلاد، مع تصاعد خطر التقسيم الطائفي والجغرافي.
هذا المقال يستعرض الوضع السوري من جميع جوانبه، متتبعًا جذور الأزمة، الدور الإقليمي والدولي، والطريق المحتمل نحو الانقسام، إذا لم يتم وضع حد لهذه الفوضى.
النظام السوري: زعامة مشبوهة ورهانات خاسرة
النظام السوري الذي بقي في السلطة لعقود طويلة يقدم نفسه كـ”زعيم وطني”، لكنه عمليًا اعتمد على القمع لتثبيت أركانه. ومع دخول الثورة السورية عامها الأول، تحول النظام إلى آلة عسكرية لقمع المعارضة، مما أدى إلى تدمير البلاد.
النقطة المثيرة للجدل هنا أن النظام السوري يرتكز في سياساته على عقلية “قاعدة القوة”، التي لا تختلف كثيرًا عن تكتيكات الجماعات المتطرفة. فهو يعتمد على:
1. تفتيت المعارضة: استخدم النظام العنف والاعتقال والتعذيب ضد أي صوت معارض، مما أدى إلى انقسام المعارضة نفسها.
2. إثارة الفتن الطائفية: دعم النظام روايات تربط الثورة بالطائفية، لتبرير استخدامه القوة العسكرية ضد المناطق المعارضة.
3. التحالفات المصلحية: يعتمد على دعم إيران وروسيا بشكل كامل، مما جعل سيادة البلاد رهينة لإملاءات الخارج.
تعفن سوريا السياسي والاقتصادي
البلاد اليوم تعيش حالة من الانهيار الكامل:
1. الاقتصاد المنهار:
العملة السورية فقدت قيمتها، مما أدى إلى تفاقم الفقر والجوع.
البنية التحتية مدمرة نتيجة الحرب الطويلة.
الفساد الحكومي مستشرٍ، حيث تستفيد النخب الموالية من ثروات البلاد على حساب الشعب.
2. غياب التمثيل السياسي الحقيقي:
لم تُجرَ انتخابات ديمقراطية حقيقية منذ عقود.
التركيز كله على بقاء النظام بدل إصلاح الدولة.
3. الهجرة الجماعية:
الملايين من السوريين أصبحوا لاجئين، وهو نزيف بشري كارثي.
داخل البلاد، يعيش النازحون في ظروف قاسية، مما يزيد من هشاشة المجتمع.
خطر الانقسام: إلى أين تتجه سوريا؟
الوضع الحالي يشير بوضوح إلى احتمالية تقسيم سوريا، مع تصاعد التوترات بين الفصائل المختلفة:
1. الانقسام الطائفي والجغرافي:
النظام يسيطر على مناطق في الغرب والجنوب.
القوات الكردية تدير شمال وشرق البلاد بفضل الدعم الأمريكي.
المعارضة والفصائل المدعومة من تركيا تسيطر على الشمال الغربي.
2. الدور الدولي والإقليمي:
إيران وروسيا تدعمان النظام كجزء من استراتيجياتهما الإقليمية.
تركيا تسعى لتوسيع نفوذها في الشمال.
الولايات المتحدة تركز على مناطق النفط والغاز في الشرق.
3. النزاعات الداخلية:
النزاع بين الأكراد والعرب في شمال شرق سوريا.
التوتر بين الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا
كل هذه العوامل تجعل من تقسيم سوريا أمرًا ليس ببعيد، إذا استمرت هذه الانقسامات دون حل.
العوامل المؤدية إلى الانهيار
النظام المافيوي: إدارة النظام السوري للدولة أشبه بمافيا تسيطر على الموارد والشعب بالقوة.
الدور الخارجي: التدخلات الأجنبية لم تؤدِ إلا إلى تعميق الانقسامات.
الضعف المؤسسي: غياب مؤسسات دولة حقيقية قادرة على تمثيل الشعب وتلبية احتياجاته.
هل من أمل؟
تعفن الوضع السوري هو نتيجة لسنوات من القمع وسوء الإدارة والتدخلات الخارجية. اليوم، البلاد على حافة الانقسام الكامل، في وقت يحتاج الشعب السوري إلى حلول حقيقية وشاملة تُعيد له كرامته وسيادته.
على الرغم من قتامة المشهد وتدهور الوضع، يبقى الأمل في إرادة الشعب السوري وقدرته على تجاوز هذه المرحلة، إذا ما وُضعت رؤية سياسية جديدة تضمن الوحدة والعدالة.
أنيسة براهنة