آخر الأخبارالرئيسيةدوليامتفرقاتوطنيايحدث اليوم
أخر الأخبار

ظاهرة صنصال وفخ النخب

Spread the love

ظاهرة صنصال وفخ النخب

لا زال الحديث يدور هذه الأيام في كل وسائط الإعلام حول الظاهرة الصنصالية التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بكل أنواعه الثقيل والخفيف. وما زاد الطين بلة هو إدلاء النخب الصامتة بدلوها في معركة فارغة بطلها رجل من الكرتون. صنصال شخصية ساذجة ومُملّقة تقتات من خبز غير حلال عن طريق تزييف التاريخ والحقائق تحت طائلة حرية التعبير، على حد علمي.

ينحدر صنصال من ثنية الأحد بولاية تيسمسيلت، المنطقة التي أنجبت الجيلالي بونعامة، أسد الونشريس الذي ركّع شارل ديغول. كان بونعامة قد قابله في باريس في مبادرة لإيجاد حل لوقف القتال أثناء الثورة المباركة. استمال بونعامة ديغول ومخابراته بحنكته ليُسلِّموا قائمة الخونة من أجل التنسيق معه، وكانت محاولة من فرنسا لضرب الثورة من الداخل. لكن عند عودة سي بونعامة إلى أرض الوطن، نظّم لقاءً مع هؤلاء الخونة بعدما أوهمهم بوجود خطة جديدة لوأد الثورة في جبال الونشريس الوعرة، وأثناء الاجتماع نفّذ خطة مضادة أوقعت بهؤلاء الخونة في كمين تم القضاء عليهم فيه جميعًا. وعندما وصل الخبر إلى ديغول، ضرب قبعاته على الأرض وقال: “أوَنُستغل هكذا من طرف أحد الفلاقة؟”.

بالرغم من الاتهامات التي طالت شخصية بونعامة ووصلت إلى التخوين، إلا أن سي بونعامة ردّ على ذلك بتنفيذ عملية داخل مدينة البليدة كلفته حياته مع رفقائه في دار النعيمي بالمدينة. الجيلالي، هذا النقابي الذي كان يشتغل في منجم الباريت بمدينة بوقايد مع الشهيد سرباح، وقع عليه الاختيار من طرف المجاهدين وتم استدعاؤه بسبب خبرته في التفجيرات، إذ كان يعمل كمفجر للبارود المستخدم في تفجير الحجر لاستخراج الباريت. عندما طلب منه الالتحاق بالثورة لصيانة السلاح، قال لرفقائه حين اقتربت منهم مروحية فرنسية في جبال الونشريس: “أستطيع صناعة مروحية لأنني فهمت المبادئ التي تقوم عليها هذه المروحية”. هذا ما قاله لي المجاهد المرحوم لخضر بورقعة.

لذلك رجعت إلى هذه الأحداث الثورية لإبراز مكانة المنطقة. واليوم يطل صنصال بكلام فارغ لا معنى له، كمن ينادي بصوت مرتفع تحت سفح الجبل، فلا يسمع إلا صوته ولا يهتز الجبل. هذا حال الجزائر مع هذا النوع من الأصوات التي تبحث عن الشهرة والجنسية والتقاعد المريح. لكننا نحن أيضًا، بنخبنا الثقافية، نصنع أبطالًا من الكرتون لأننا نمنحهم الفرصة ونساهم في شهرتهم بإعطاء ما يكتبون أو يصرحون أهمية. خاصة وأنه في العصر الحالي، من يريد الشهرة في الغرب يشتم الإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم، كما حدث مع جريدة شارلي إيبدو أو حرق المصحف في السويد. أو كذلك من يكتب عن الإرهاب ويتهم الإسلام والمسلمين. إنها سلعة رائجة وبيع رابح، يتحول الكاتب بعدها إلى أيقونة بعدما كان في سلة المهملات.

هؤلاء الكتّاب عرفوا نفسية المسلمين وردة فعلهم على دينهم ورسولهم الكريم. وكذلك الشأن بالنسبة للحديث عن الجزائر، لأن الجزائر اليوم تصنع الحدث بمواقفها الشجاعة في محافظتها على قيم الثورة المجيدة كالوقوف مع القضايا العادلة في العالم، ونصرة المستضعفين، وتصفية الاستعمار. وهي مبادئ أضمحلت في عصر ما بعد العولمة والحديث عن تحديث العالم وحرية الاختيار الجنسي والتحول الجندري. خاصة وقوفها ضد التطبيع المرهون بحقوق الفلسطينيين.

ولهذا ظهر هؤلاء المثقفون المزيفون، على حد تعبير المفكر الفرنسي بونيفاس، كمثقفين على المزاج أو تحت الطلب. ولذلك أنا أصلاً لا ولم أسمع بهذا الاسم “صنصال”، بالرغم أنني من هذه المنطقة أبًا عن جد، من قبيلة وصفها الأمير عبد القادر في كتابه “لقاء مع ويلسون تشرشل” بأنها قبائل مستعربة وأصلية في المنطقة. مدّت له يد العون بالجياد والقمح والتين المجفف، وهي علامة الكرم والجود والجهاد.

الظاهرة الصنصالية مصنوعة تحت عنوان “صُنع من أجل الجزائر” وليس “صُنع في الجزائر” (Made for Algeria وليس Made in Algeria). والدليل على ذلك أنني لم أسمع بهذا الاسم لا في السياسة ولا في الإعلام ولا في التاريخ ولا في الأدب. لذلك، كتابات صنصال وشقيقه داوود هي كتابات تحت الطلب، والشهرة مضمونة، خاصة عند الحديث عن الجزائر وذكرها بالسوء أو تشويه تاريخها الساطع أو تقريع قادتها وشخصياتها التاريخية. يدخل هذا في إطار الحرب النفسية والهجينة التي تقودها شركات العلاقات العامة، التي تتقاضى أموالًا باهظة من دول معروفة في المنطقة، في محاولة لإسدال الغيم أو الضباب على أرض تنفّس تاريخًا وحضارة.

لذلك أقول إن شمس الجزائر تسطع على الغرب قبل الشرق. والتهويل والرد الذي تلقته الظاهرة الصنصالية وما يشبهها من الظاهرة الداودية لا يستحق كل هذا الاهتمام. الجزائر عالية على نباح الكلاب. أرى أن ظهور صنصال كان مُحضّرًا له في مخابر. وإلا كيف نفسر إطلاقه تصريحات نارية على الجزائر ثم زيارتها؟ هي خطة يقول فيها: “أنا هنا، ألقوا القبض عليّ”، حتى يتحول إلى أيقونة في سوق اليمين المتطرف. كان من الأجدر القبض عليه وترك المجال للعدالة.

أما شقيقه داوود، الذي سرق قصة أمل، تلك الفتاة الضحية للإرهاب، فيتاجر بها بقصة أبكتنا جميعًا. هؤلاء تجار الآلام الحزينة الذين يدعون الإنسانية بلا حدود.

د محمد هدير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى