
في وقت تحوّلت فيه الصحافة إلى سباق مع الزمن، حيث تسبق السرعة المعنى ويتقدّم العنوان على الحكاية، يطلّ الكاتب الصحفي علي شايب بعمل جديد يعاكس التيار ويحمل عنوان: “الفيتشر والأنسنة الصحفية”.
الكتاب لا يقدَّم كدليل تقني لتعلّم الفيتشر، بل كرحلة فكرية ومهنية هدفها إعادة الاعتبار للبعد الإنساني في الممارسة الصحفية. فالصحافة، كما يلحّ المؤلف، ليست مجرّد نقل للوقائع بل هي فعل إنصات وتعبير عن الحياة كما يعيشها الناس في تفاصيلها الصغيرة، تلك التي غالبًا ما تهمَّش في صخب الأخبار العاجلة.
من خلال صفحات الكتاب، يقدّم شايب مقاربة ترى في “الفيتشر” أكثر من مجرد قالب سردي، بل وسيلة لإعادة صياغة علاقة الصحافة بجمهورها على قاعدة الثقة والصدق والدفء الإنساني. وهو يستند في ذلك إلى تجاربه الطويلة في الميدان، مستحضرا أمثلة واقعية وحالات تطبيقية تجعل النص أقرب إلى مرجع يُضيء الطريق لطلبة الإعلام وللصحفيين الراغبين في استعادة روح المهنة.
ويؤكد المؤلف أن الأنسنة ليست خيارًا أسلوبيًا فحسب، بل التزام أخلاقي ومهني يعكس جوهر العمل الصحفي القائم على الدقة والموضوعية دون أن يفقد حسّه الإنساني. وهنا يتحوّل الفيتشر، كما يطرحه الكتاب، إلى مساحة للتلاقي بين الصحفي والقارئ، حيث تمتزج الصرامة بالتعاطف، والتوثيق بالحكاية.
بهذا الإصدار، يضع علي شايب بين أيدي الجيل الجديد من الإعلاميين دعوة جريئة للابتعاد عن جفاف التغطية النمطية، والانفتاح على صحافة أكثر قربًا من الإنسان، صحافة تحفظ للقصص معانيها وللأحداث عمقها.
“الفيتشر والأنسنة الصحفية” هو إذن أكثر من كتاب مهني؛ إنه محاولة لإعادة الصحافة إلى جذورها الأصيلة، حيث الإنسان أولًا، ثم الخبر.
أنيسة



