
بقلم : أنيسة براهنة
يا لها من ضجة! صورة غلاف لمجلة Le Point تتصدرها امرأة كورسيكية بملامح التحدي، وتحتها العنوان الكبير: “Les Corses – Un peuple indomptable”، أو “الكورسيكيون – شعب لا يُقهَر”.
عنوان يكفي لفتح جلسات برلمانية عاجلة، وربما فرض حالة الطوارئ الإعلامية… لو كان حقيقيًّا.
لكن، لنخفف من الحماس… هذا الغلاف لم يخرج من مطابع Le Point، بل من رحم الفوتوشوب أو بطن الذكاء الاصطناعي. بمعنى آخر: وجبة بصرية ساخنة، لكن بلا أي سعرات من الحقيقة.
من الفوتوشوب مع …
في زمن السرعة الإعلامية، يكفي أن تضع لوجو مجلة معروفة، وصورة ذات إيحاء سياسي، وعبارة صادمة، لتقنع الناس أن نصف فرنسا على وشك الانفجار.
بحث بسيط في أرشيف Le Point يثبت أن هذا العدد لم يوجد قط، ولا يوجد صحفي اسمه Camille David كتب هذا “التحقيق المزلزل”. لكن من يحتاج للتحقق حين يكون العنوان كافيًا لإشعال تويتر وفيسبوك؟
“شعب لا يُقهَر”: بين الفخر والاتهام
العبارة ليست جديدة، بل أقدم من الفوتوشوب نفسه. فمنذ قرون، وصفت بعض الكتابات الفرنسية والإيطالية الكورسيكيين بأنهم “شعب لا يُقهَر”، أحيانًا كمديح لمقاومتهم، وأحيانًا كوصمة عناد.
نابوليون الشاب كتب عن “الأمة الكورسيكية التي لا تُقهَر”، بينما بعض المؤلفات الفرنسية فضّلت الوصف الأقل رومانسية: “جزيرة قاحلة يسكنها شعب لا يُقهَر”، وكأنها تحذير سياحي: “احذر، هنا لا يُبتسم كثيرًا”.
المشهد المتخيَّل: باريس في حالة طوارئ… بسبب غلاف لم يُطبع
تخيلوا المشهد:
صباح بارد في باريس، المطر يتساقط على الشانزليزيه، أحد النواب الفرنسيين يلمح الغلاف المزعوم في كشك الجرائد، يتسمر مكانه ثم يصرخ:
– “Mon Dieu! Les Corses en Une! Indomptables?! Appelez l’Élysée فورًا!”
في الإليزيه، الرئيس يتصفح هاتفه قبل القهوة، يرى الغلاف على تويتر، فيختنق برشفته الأولى. يضغط الزر الأحمر، لا لاستدعاء الجيش، بل لاستدعاء رئيس التحرير:
– “ألو، ما هذا العنوان؟ هل نعلن الحرب على كورسيكا أم هي مزحة؟”
وفي قناة إخبارية، éditocrate فرنسي مخضرم يلمع عينيه أمام الكاميرا:
“هذا الغلاف يؤكد ما كنت أقوله منذ 20 عامًا: كورسيكا هي جرح الجمهورية المفتوح”
أما في مقر Le Point، فالمحررون يقرأون التغريدات ويضحكون، لأن العدد الحقيقي لتلك الأسبوعية كان بعنوان: “أفضل وصفات الصيف… بدون طماطم!”.
لعبة الهوية والضغط على الأزرار
صانع الغلاف المزيّف يعرف تمامًا ما يفعل: يكفي أن تضع كلمة “indomptable” على صورة كورسيكية، ليشتعل النقاش حول الاستقلال، والهوية، والمظلومية التاريخية. إنه زر سياسي حساس، وضغطه يضمن ضجيجًا إعلاميًّا مجانيًّا.
حين تسبق السخرية الحقيقة
الغلاف لا يعكس موقف Le Point، ولا يترجم تقريرًا حقيقيًا، لكنه يكشف شيئًا أهم: أن السياسة الفرنسية يمكن أن ترتجف من صورة واحدة… حتى لو كانت مزيفة.
وفي النهاية، إذا كان غلاف مزيف قادرًا على جعل بعض السياسيين والإعلاميين في فرنسا يفقدون توازنهم، فربما المشكلة ليست في كورسيكا ولا في فوتوشوب… بل في جمهور نخبة اعتادت أن ترتجف أمام صورة، بينما تمر بجانبها أزمات حقيقية بلا حتى نصف هذا الانفعال.
لعل العنوان الأصدق لم يكن “شعب لا يُقهَر”… بل “جمهورية يسهل إرباكها” هل أغيره؟ ما رأيكم ؟





درس في صورة اثر ثورة الذكاء الاصطناعي