آخر الأخبارالرئيسية
أخر الأخبار

هل إفريقيا بعيدة حقًا عن صراع الشرق الأوسط؟

Spread the love

حين تندلع الحروب في الشرق الأوسط، لا تُسمَع الانفجارات في شوارع لومي أو نواكشوط أو أديس أبابا. لا تهتز جدران نيامي ولا تُفرض حالة الطوارئ في داكار. ولكن، هل يعني ذلك أن إفريقيا في منأى عن هذه النيران؟ الظاهر يقول نعم. أما الحقيقة، فهي أكثر تعقيدًا.

ما يحدث اليوم من تصعيد عسكري بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس سوى فصل جديد من مسلسل طويل عنوانه الهيمنة، ووقوده الشعوب المستضعفة. وبينما تتسارع الوقائع فوق سماء طهران أو غزة، تهتز الأرض تحت أقدام الأفارقة من دون أن يدرك كثيرون أن ما يعيشونه من أزمات اقتصادية وأمنية هو صدى بعيد لانفجارات قريبة.

ليس خفيًا أن إفريقيا تُستَهدَف مرتين في مثل هذه النزاعات: مرة بالتجاهل، ومرة بالتبعات. لا أحد يستشيرها، لا أحد يستأذنها، ومع ذلك، تجد نفسها مطالبة بأن تتحمل نتائج لا ناقة لها فيها ولا جمل. يكفي أن ترتفع أسعار النفط بضعة دولارات حتى تدخل ميزانيات دول إفريقية عديدة في حالة اختناق مزمن. يكفي أن تُغلق بعض المعابر البحرية أو تُهدَّد خطوط الملاحة في البحر الأحمر حتى تتعثر عجلة التوريد والتصدير في عشرات الدول الإفريقية.

أسعار الغذاء ترتفع، والعملة المحلية تتهاوى، والمديونية تتضخم، والمواطن البسيط يدفع الفاتورة. في الريف الإفريقي، لا يسمع الناس اسم “تل أبيب” أو “قم”، ولكنهم يشعرون بانقطاع الكهرباء، وندرة الطحين، وغلاء الوقود. هناك، حيث لا مكان للسياسة في أحاديث المساء، تتجلى السياسة بكل عنفها في بطون خاوية وأحلام مؤجلة.

ثم إن الخطر لا يقف عند الاقتصاد. فكلما ارتفعت حرارة الصراعات الإقليمية، ازداد تغوّل الجماعات المتطرفة التي تستثمر في الفوضى والتأجيج الطائفي. من شمال نيجيريا إلى شرق الكونغو، يجد أمراء الحرب وتجار العقائد فرصتهم الذهبية في توظيف الانقسام العالمي لإعادة ترتيب مواقعهم، وتبرير مزيد من العنف.

وهنا، تطرح الأسئلة الكبرى نفسها بإلحاح: ما موقف إفريقيا؟ أين هو صوتها المستقل؟ لماذا لا تصوغ موقفًا موحدًا من هذه النزاعات التي تهدد أمنها واستقرارها؟ لماذا تكتفي بالانتظار الصامت، كما لو أنها مجرد “متلقٍ سلبي” لأحداث العالم؟ وهل قدرها أن تكون ساحة للارتدادات فقط دون أن يكون لها رأي في مصدر الزلازل؟

الواقع أن كثيرًا من العواصم الإفريقية وقعت في فخ الحياد السلبي، أو ما يمكن تسميته باللاموقف. البعض يبرر ذلك بالحكمة، وآخرون بالخوف من العقوبات أو الطمع في وعود التعاون. ولكن الثابت أن هذا الصمت المطبق لا يقي من العواصف، بل يجلبها في كثير من الأحيان. فحين لا يكون لك موقف، يصبح جسدك مفتوحًا لكل الطعنات.

لقد آن الأوان لأن تعي إفريقيا أن مستقبلها ليس منفصلًا عن صراعات العالم، وأن ما يبدو بعيدًا في الجغرافيا قد يكون أقرب إليها من شوارع عواصمها. المطلوب ليس الانحياز لطرف، بل الانحياز للمبادئ: للحق، للسلام، للقانون الدولي، ولحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. وعلى رأس تلك الشعوب، تقف فلسطين كجُرح لا يزال مفتوحًا على مرأى من عالم أصابه العمى الانتقائي.

لا يمكن لإفريقيا أن تواصل التطبيع مع من يحتل ويقتل ويخرق كل مواثيق الشرعية الدولية، ثم تتوقع أن تُحترم سيادتها. لا يمكن أن ترفع شعارات التحرر، ثم تصمت أمام ممارسات استعمارية مكرّرة في ثوب جديد.

إن الاستقلال الحقيقي لا يقاس فقط بعدد السفارات والبرلمانات، بل بالقدرة على اتخاذ موقف حرّ وشجاع حين يصير الصمت خيانة.

هذه ليست حربنا، نعم. ولكنها تمس مصيرنا. ومن لا يملك زمام قراره اليوم، لن يكون له غد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى