آخر الأخبارمتفرقات
أخر الأخبار

نزيف صامت

القتل المنظم للطبيعة في إفريقيا

Spread the love

نزيف صامت: القتل المنظم للطبيعة في إفريقيا

تعيش إفريقيا، مهد التنوع البيولوجي في العالم، كارثة صامتة تفتك بثرواتها الطبيعية تحت وطأة آفة قديمة بقدر ما هي مدمّرة: الصيد غير المشروع. ففي السافانا، والغابات الاستوائية، والمحميات المحمية، تسقط الأفيال وحيوانات وحيد القرن والأسود والبانغولين يوميًا برصاص وشراك شبكات إجرامية منظمة بإحكام. خلف هذه المأساة، يختبئ رهان مصيري يتجاوز الأرقام والإحصاءات: إنه رهان السيادة البيئية للقارة ومستقبلها المستدام.

أنواع مهددة بالزوال

يُقتل عشرات الآلاف من الأفيال سنويًا من أجل أنيابها العاجية، خاصة في وسط وغرب إفريقيا. ويستمر الاتجار غير القانوني بقرون وحيد القرن – المطلوبة بشدة في آسيا لأغراض طبية غير مثبتة علميًا – في تغذية مجازر جماعية. حتى الحيوانات الأقل شهرة، كالبانغولين، الذي يُعد اليوم أكثر الثدييات استهدافًا بالصيد في العالم، تختفي بصمت وسط لا مبالاة دولية. وتعاني السنوريات الكبرى، والسلاحف، والببغاوات النادرة، وأنواع عديدة أخرى المصير ذاته.

جذور اقتصادية واجتماعية عميقة

لا يمكن فهم ظاهرة الصيد الجائر في إفريقيا دون التوقف عند العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تغذيها. ففي مناطق كثيرة، تُجبر المجتمعات المحلية الفقيرة والمهمشة على الانخراط في هذه التجارة غير القانونية بسبب غياب البدائل. البطالة، ضعف الخدمات العامة، والإقصاء من سياسات الحفظ تجعل السكان المحليين فريسة سهلة لشبكات إجرامية تتغذى على الفساد، والنزاعات المسلحة، والإفلات من العقاب. في المقابل، تبقى الأسواق الخارجية – لا سيما في آسيا، وأيضًا في أوروبا وأمريكا – المحرك الأساسي لهذه الصناعة القاتلة.

تهديد بيئي واقتصادي شامل

لا تتوقف تداعيات الصيد الجائر عند اختفاء الحيوانات فقط، بل تمتد إلى ضرب التوازنات البيئية في العمق. فزوال الأنواع الرئيسية يؤدي إلى انهيارات في سلاسل غذائية كاملة، ما يهدد مصادر المياه، والزراعة، وقدرة الأنظمة الطبيعية على مقاومة التغير المناخي. كذلك يتأثر قطاع السياحة، الذي يشكل ركيزة اقتصادية مهمة للعديد من الدول الإفريقية، إذ ما جدوى حديقة وطنية بلا أفيال أو أسود؟

الصيد الجائر كعامل لزعزعة الأمن

على الصعيد الأمني، يعزز الصيد غير المشروع مناخات انعدام الاستقرار. ففي بعض المناطق الحدودية، كإفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل، يموّل المجموعات المسلحة، ويدعم شراء الأسلحة، ويغذي التهريب. وهكذا، تتحول البيئة إلى ساحة صراع تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية والفوضى الأمنية والانهيار المؤسسي.

استجابة إفريقية تتشكل

في مواجهة هذه الكارثة، بدأت الحكومات الإفريقية في اعتماد قوانين أكثر صرامة ضد الصيد غير المشروع والاتجار بالحياة البرية. كما جرى إدخال تقنيات مراقبة متطورة في المحميات: طائرات بدون طيار، كاميرات حرارية، أجهزة تتبع GPS على الحيوانات… وشُكلت وحدات خاصة لتعقب الصيادين غير الشرعيين. ومع ذلك، تظل هذه الجهود غير كافية وحدها. فمكافحة الصيد الجائر ينبغي أن تُطرح كمشروع مجتمعي شامل، يتطلب حوكمة رشيدة خالية من الفساد، ودمجًا حقيقيًا للمجتمعات المحلية في إدارة الموارد الطبيعية.

نماذج يمكن الاقتداء بها

هناك تجارب ناجحة، خاصة في إفريقيا الجنوبية، حيث جرى إشراك المجتمعات في جهود الحماية من خلال برامج السياحة البيئية أو الإدارة المجتمعية للمحميات. وعندما تجني هذه المجتمعات ثمار حماية الحيوانات، ينحسر الصيد الجائر.

تحدٍ إفريقي عابر للأجيال

الصيد الجائر ليس مجرد جريمة في حق الطبيعة، بل هو اعتداء على إفريقيا نفسها. إنه مرآة لنظام يُضحّى فيه بالحياة – سواء كانت بشرية أو حيوانية – من أجل الربح ووسط لامبالاة دولية. ومن خلال القضاء على هذا الداء، لا تدافع إفريقيا فقط عن أفيالها وغاباتها، بل عن سيادتها، وهويتها، ودورها كقوة بيئية عالمية في مواجهة أزمة مناخية غير مسبوقة.

إنها معركة جيل كامل، حرب من أجل الحياة، من أجل العدالة البيئية، ومن أجل مستقبل تُصبح فيه الثروات الطبيعية للقارة في خدمة شعوبها، لا في جيوب المهربين.

في أرقام

30 ألف فيل يُقتل سنويًا في إفريقيا من أجل العاج

1000 إلى 1200 وحيد قرن يُصطاد كل عام، معظمهم في جنوب إفريقيا

بانغولين واحد كل 5 دقائق: الثديي الأكثر صيدًا في العالم

6 إلى 10 مليارات دولار سنويًا: أرباح تجارة الحياة البرية غير المشروعة – من أكثر الأنشطة الإجرامية ربحًا عالميًا

فقط 3900 زرافة تم إحصاؤها في بعض مناطق غرب إفريقيا – صنفت مهددة بالانقراض

50% من أفيال غابات إفريقيا الوسطى اختفوا خلال أقل من 20 عامًا

مناطق الخطر الحمراء للصيد الجائر في إفريقيا

إفريقيا الوسطى: حوض الكونغو، الكاميرون، إفريقيا الوسطى، الكونغو الديمقراطية، الغابون – صيد مكثف لأفيال الغابات، البانغولين، والقرود العليا

إفريقيا الجنوبية: جنوب إفريقيا، ناميبيا، زيمبابوي – مركز إبادة حيوانات وحيد القرن

إفريقيا الشرقية: تنزانيا، كينيا – ممرات هجرة الأفيال، ومناطق وجود السنوريات الكبرى

إفريقيا الغربية: بنين، بوركينا فاسو، النيجر – محمية W-Arly-Pendjari باتت مستهدفة من صيادين مسلحين

القرن الإفريقي: تهريب بحري للأنواع النادرة (طيور، زواحف، عاج) عبر الصومال وجيبوتي

بقلم: كاميليا أمير
ترجمة أنيسة براهنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى