من وزير إلى رئيس
مسيرة الرئيس عبد المجيد تبون السياسية
عبد المجيد تبون، الرئيس الثامن للجمهورية الجزائرية، هو أحد أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ الجزائر الحديث. عُرف تبون بقدراته الإدارية والسياسية التي صقلها من خلال سنوات طويلة في الخدمة العامة، سواء في مناصب حكومية أو سياسية. في هذا المقال، سنتتبع مسيرة تبون السياسية، من بداياته كأحد أعضاء الحكومة، مرورًا بتوليه مناصب رفيعة، وصولًا إلى رئاسته للبلاد.
1. البداية في عالم السياسة والإدارة
وُلد عبد المجيد تبون في 17 نوفمبر 1945 في مدينة المشرية بولاية النعامة، وهي مدينة تقع في غرب الجزائر. بعد تخرجه من جامعة الجزائر في تخصص الهندسة المعمارية، بدأ تبون مسيرته المهنية في مجال البناء والتعمير، حيث شغل عدة مناصب في القطاع الحكومي المحلي قبل أن ينتقل إلى العمل السياسي.
تدرج تبون في المناصب الحكومية بسرعة، حيث بدأ عمله الإداري في الستينات. في بداية السبعينات، بدأ يظهر في الساحة السياسية عندما تولى منصب مدير التخطيط بوزارة البناء، ما منحه فرصة للتعرف على آليات الإدارة الحكومية وتطوير مهاراته في حل القضايا التنموية.
2. التحولات الكبرى: وزيرًا للحكومة الجزائرية
تجربة تبون الحقيقية في السياسة بدأت مع تعيينه في مناصب حكومية عليا. في بداية التسعينات، أصبح وزيرًا في عدة وزارات، وكان أبرزها منصب وزير الشؤون المحلية في حكومة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وفي عام 2000، تولى تبون وزارة الثقافة، حيث قدم العديد من المبادرات التي هدفت إلى إعادة إحياء التراث الثقافي في الجزائر.
في عام 2012، أصبح تبون وزيرًا للسكن والعمران، وهو المنصب الذي جعل له دورًا بارزًا في تطوير قطاع الإسكان. في هذه المرحلة، قاد تبون مشروعات ضخمة في بناء المساكن ورفع مستوى البنية التحتية في الجزائر، ما عزز صورته كإداري وكشخص قادر على اتخاذ قرارات جريئة ومؤثرة في الحكومة.
3. رئيسًا للوزراء: اختبار حقيقي لقدراته السياسية
في 2017، وبعد فترة طويلة من العمل الوزاري، أصبح عبد المجيد تبون رئيسًا للوزراء في حكومة الرئيس بوتفليقة. هذا المنصب كان بمثابة اختبار حقيقي لقدراته السياسية والإدارية. واجه تبون تحديات كبيرة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي كانت الجزائر بحاجة إليها، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط وتزايد الأزمات الاقتصادية.
تبون سرعان ما أثار الجدل بسبب مواقفه الصريحة من بعض قضايا الفساد داخل الحكومة، وهو ما دفع البعض إلى تصنيفه كمُصلح سياسي يهدف إلى الحد من النفوذ السياسي لبعض الشخصيات البارزة في النظام. إلا أن صراحته هذه جعلته يواجه مقاومة كبيرة من بعض الأطراف في السلطة، مما أدى إلى إقالته من منصب رئيس الوزراء في نفس العام، وهو ما خلق حالة من الجدل حول ما إذا كانت هذه الإقالة مرتبطة بمعارضته للفساد في المؤسسة الحاكمة.
4. الترشح للرئاسة: الأمل في التغيير
بعد إقالته، لم يبتعد تبون عن الساحة السياسية لفترة طويلة. في عام 2019، مع تنامي الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بتغيير النظام الحاكم في الجزائر، قرر عبد المجيد تبون الترشح للانتخابات الرئاسية، مستفيدًا من دعم بعض الفئات السياسية التي ترى فيه شخصية قادرة على قيادة البلاد نحو التغيير. رغم الانتقادات التي واجهها بسبب ارتباطه بالنظام السابق، إلا أن تبون نجح في الفوز بالرئاسة في 12 ديسمبر 2019.
عند توليه منصب رئيس الجمهورية، وعد تبون بتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتعهد بأن يكون صوت الشعب الجزائري في مواجهة قوى الفساد والنظام القديم. كان من أولوياته تنفيذ إصلاحات قانونية، تحسين الوضع الاقتصادي، وتوسيع المشاركة السياسية.
5. أولويات رئاسة تبون: الإصلاحات والتنمية
منذ بداية حكمه، كان عبد المجيد تبون يركز على عدة أولويات رئيسية، مثل محاربة الفساد، تعزيز استقلالية القضاء، وتنفيذ إصلاحات في القطاع الاقتصادي بهدف تقليل الاعتماد على النفط. كما تعهد بتطوير قطاع الفلاحة والصناعات المحلية من أجل خلق فرص عمل جديدة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
إحدى أبرز الخطوات التي قام بها تبون كانت التعديل الدستوري في 2020، حيث تم إدخال تعديلات تهدف إلى تعزيز الديمقراطية، مثل تقليص سلطات الرئيس وتعزيز دور البرلمان والمجتمع المدني. هذا التعديل الدستوري كان جزءًا من وعده بمكافحة الفساد والحد من السلطات التقديرية للرئاسة.
على الصعيد الخارجي، تبون سعى إلى استعادة دور الجزائر كقوة إقليمية في شمال إفريقيا، ولا سيما في قضايا مثل الوضع في ليبيا وقضية الصحراء الغربية. كما أبدى رغبة في تقوية العلاقات مع الدول الأوروبية والأفريقية.
6. التحديات التي تواجهه
رغم الإصلاحات التي بدأ تبون في تنفيذها، فإنه يواجه العديد من التحديات. من أبرز هذه التحديات، الوضع الاقتصادي الصعب الذي يهدد استقرار البلاد، وكذلك الضغط الشعبي المستمر من الحراك الجزائري الذي يطالب بالتغيير السياسي الجذري. كما أن الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا شكلت تحديًا كبيرًا لإدارته، إذ كانت الحكومة بحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة الأزمة الصحية والتخفيف من آثارها الاقتصادية.
على المستوى السياسي، يظل تبون بحاجة إلى تحقيق توازن بين القوى المختلفة في النظام السياسي الجزائري، سواء كانت القوى الموالية أو المعارضة له، لضمان استقرار حكمه.
من وزير إلى رئيس، استطاع عبد المجيد تبون أن يبرز كأحد الشخصيات التي نشأت وتدرجت في النظام الجزائري، ليصل في نهاية المطاف إلى رئاسة الجمهورية في فترة عصيبة مليئة بالتحديات. ومع أنه ما يزال في بداية مسيرته الرئاسية، فإن تبون قد أظهر عزمه على تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، لكنه في الوقت نفسه يواجه تحديات جمة تتعلق بتحقيق هذه الإصلاحات في سياق سياسي واجتماعي معقد. المستقبل سيحدد ما إذا كانت رؤيته ستتحقق فعلاً، وإذا ما كان سيتمكن من تحقيق الاستقرار الذي تطمح إليه الجزائر.
أنيسة براهنة



