
مميزات الرئيس عبد المجيد تبون
بالمقارنة مع الرؤساء السابقين في الجزائر
منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون منصب رئاسة الجمهورية الجزائرية في ديسمبر 2019، برزت العديد من المميزات التي تفرقه عن الرؤساء السابقين في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. إذا نظرنا إلى تاريخ الرئاسة الجزائرية وما شهدته من تحولات منذ الاستقلال، نجد أن كل رئيس كان له خصائصه الخاصة التي عكست فترة حكمه وظروف البلاد. لكن تبون جاء في وقت دقيق مليء بالتحديات الداخلية والخارجية، مما أضاف بعدًا جديدًا للقيادة الجزائرية. في هذا المقال، سنتناول أبرز مميزات الرئيس تبون مقارنة برؤساء الجزائر السابقين من حيث السياسات، التحولات الاقتصادية، العلاقات الدولية، والاهتمام بالاحتجاجات الشعبية.
1. الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي
من بين أبرز مميزات الرئيس تبون هو استجابته لمطالب الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فبراير 2019. الحراك كان ضد استمرار النظام السياسي القائم وقتها، وكان له مطالب بتغيير حقيقي في النظام السياسي وفتح المجال لإصلاحات سياسية واقتصادية. بعد توليه الرئاسة.. اعتمد تبون نهجًا يهدف إلى الاستجابة لهذه المطالب.. وإن كان ببطء، إلا أنه بدأ بإصلاحات معينة مثل تعديل الدستور 2020 الذي تضمن تقليص صلاحيات الرئيس وزيادة الشفافية في الحياة السياسية.
مقارنة بالرؤساء السابقين: الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة كان قد حاول في بداية حكمه توجيه البلاد نحو استقرار سياسي، لكنه فشل في الاستجابة لمطالب الشارع في سنواته الأخيرة، مما أدى إلى استمرار الاحتجاجات حتى استقالته في 2019. أما الرئيس هواري بومدين فقد كان معروفًا بسيطرته المطلقة على الحكم ولم يكن هناك مجال لظهور حركة احتجاجية في عهده، في حين أن الرئيس الشاذلي بن جديد كان قد بدأ بداية إصلاحات سياسية ولكن سرعان ما توقف بسبب الضغوطات الداخلية.
2. التحولات الاقتصادية والإصلاحات
منذ وصوله إلى السلطة، عمل تبون على تعزيز مسار الإصلاحات الاقتصادية لمواجهة الأزمات التي تواجه الجزائر.. مثل انخفاض أسعار النفط والاعتماد الكبير على العائدات النفطية. في هذا السياق.. بدأ تبون في تنفيذ خطة للتنويع الاقتصادي مثل تقليل الاعتماد على النفط والغاز من خلال مشروعات كبيرة في الزراعة والصناعة والسياحة. كما اتخذ خطوات لتحسين المناخ الاستثماري في البلاد من خلال تعديل القوانين الخاصة بالاستثمار.
مقارنة بالرؤساء السابقين: في عهد بوتفليقة، ورغم الجهود التي بذلها لتحسين الاقتصاد وتنويعه، فإن فترات عجز الميزانية واستمرار الاعتماد على النفط والغاز كانت من أبرز المشاكل التي واجهت الجزائر. بينما في عهد بومدين، ركزت الجزائر على التصنيع والتأميم، لكن مع بداية الثمانينات، بدأت البلاد تعاني من عجز في تمويل المشاريع بسبب انخفاض أسعار النفط. أما بن جديد.. فكانت فترة حكمه مليئة بالتقلبات الاقتصادية التي شهدت خصخصة العديد من الشركات العمومية.. وهو ما ساهم في تراجع القطاع الصناعي.
3. السياسة الخارجية والهيبة الدولية
على الصعيد الخارجي، تبون أبدى اهتمامًا بتقوية دور الجزائر على الساحة الدولية.. خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية. فقد سعى إلى تحسين العلاقات مع الدول الكبرى وكذلك الجوار، مع الحفاظ على مواقف الجزائر التقليدية.. مثل دعم القضايا الفلسطينية ودعوات الحوار في الأزمات الإقليمية.. تبون تبنى أيضًا سياسة دبلوماسية فاعلة في قضايا الأمن الإقليمي في منطقة الساحل.. وهو ما ساعد في تعزيز صورة الجزائر كداعم للسلام في المنطقة.
مقارنة بالرؤساء السابقين: في عهد بومدين، كانت الجزائر تتبنى سياسة عدم الانحياز ومواقف قوية في مواجهة الاستعمار والاستبداد في إفريقيا. وكان لبوتفليقة دور بارز في تعزيز علاقات الجزائر مع الدول العربية والأفريقية خلال فترة حكمه.. خاصة في ملف الوساطة في النزاعات الإقليمية. كما كان لبن جديد سياسة خارجية تسعى إلى توثيق العلاقات مع الدول الغربية والعربية بعد سنوات من العزلة عقب حرب التحرير.
4. الاهتمام بالشباب والمرأة
أحد القضايا التي حرص الرئيس تبون على تعزيزها هي حقوق الشباب والمرأة. تبون طرح مبادرات خاصة لدعم الشباب مثل تسهيل الوصول إلى فرص التعليم والتوظيف.. وتعزيز دورهم في الحياة السياسية عبر تمكينهم من مناصب في الإدارة . وفي المساهمة في صنع القرار. كما عمل على تحسين وضع المرأة الجزائرية في شتى المجالات، سواء من خلال تشريعات جديدة أو برامج لتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا.
مقارنة بالرؤساء السابقين: على الرغم من أن جميع الرؤساء السابقين قد دعموا السياسات المتعلقة بالشباب والمرأة.. إلا أن التوجهات كانت متفاوتة. في عهد بوتفليقة، كانت هناك بعض المبادرات التي استهدفت الشباب.. لكن بعضهم اعتبر أن الاهتمام بالشباب لم يكن كافيًا أو ذا جدوى ملموسة. في عهد بومدين، كانت هناك محاولات لتحسين وضع المرأة عبر قوانين تحمي حقوقها، لكنه في الوقت نفسه لم يكن هناك اهتمام كافٍ بتطوير سياسات فعالة لدعم الشباب.
5. التحديات الداخلية والفساد
شهدت الجزائر في فترة حكم تبون تحديات كبيرة في محاربة الفساد.. وهي مشكلة عميقة تمثل أحد الأسباب الرئيسية لانهيار الثقة في الحكومات السابقة. تبون تبنى سياسة حازمة لمكافحة الفساد.. وبدأ محاكمة عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية الكبيرة في البلاد.. وهو ما عكس جديته في مكافحة هذا الفساد المستشري. كما تعهد بإنشاء محاكم خاصة لمحاسبة المسؤولين المتورطين في قضايا فساد.
مقارنة بالرؤساء السابقين: في عهد بوتفليقة، تزايد الفساد بشكل كبير، وقد تعرضت حكومته لانتقادات شديدة بسبب غياب محاسبة المسؤولين الكبار. أما بومدين فكان يعتقد أن الفساد لا يعيق التنمية.. ولكن مع ذلك كانت هناك محاولات محدودة لمكافحة الفساد على مستوى الحكومة. بن جديد كان في موقف صعب في نهاية حكمه بسبب الانهيار الاقتصادي والفساد.
الرئيس عبد المجيد تبون يأتي في وقت حساس يتطلب التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية.. السياسات الداخلية الهادفة إلى تعزيز الاستقرار السياسي.. والتعامل مع القضايا الإقليمية والدولية. على الرغم من أن التحديات التي تواجهه شبيهة بتلك التي واجهت رؤساء الجزائر السابقين، فإن تبون يمتلك ميزات يمكن أن تعزز من تأثيره في المستقبل.. مثل الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي وحرصه على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية.. مما يعكس تميزًا في القيادة مقارنة بالفترات السابقة.
أنيسة براهنة