
بقلم: غاستون لابورغيت (ساخر محترف)
أصدقائي الأعزاء، دعوني أعترف بحقيقة مريرة تكاد تقتلنا في صمت: الجزائر لم تعد تستأذننا قبل أن تتنفس.
نعم… لم تعد تسألنا: هل نُصدر الغاز؟ هل نعيد فتح سفارتنا؟ هل نتحدث مع الصين؟
تتصرف كما لو أنها… والعياذ بالله… دولة ذات سيادة!
أي وقاحة!
كنا نظن أن ذاكرتهم قصيرة.
أنهم سينسون من “علّمهم” الأبجدية، ومن “أنقذهم” من ظلام العروبة، ومن “أهدى لهم” الجمهورية…
لكنهم، ويا لسخرية القدر، لم ينسوا شيئًا – بل تذكّروا كل شيء!
بدءًا من القنابل النووية في رڤان، مرورًا بالمجازر، وصولاً إلى تقاريرنا اليومية التي تصفهم بأنهم يعيشون على كوكب مشتعل.
كنا نرسل لهم صحفيينا الأشاوس، رجالنا الأوفياء، الذين يتقنون الحياد بلكنة بورجوازية.
هؤلاء الذين كتبوا عشرات التحقيقات عن الجزائر، دون أن يُضطروا لزيارتها ولو ليوم.
نحلّل اقتصادهم من مقاهي باريس، ونفكك جيشهم من شاشات “LCI”، ونرسم مستقبلهم من مكاتب “Jeune Afrique” التي باتت أكثر جزائرية من تبسة نفسها!
لكن هل يشكروننا؟
أبدًا!
يردّون علينا ببرود سيادي، ويقابلون “تحليلاتنا” بالضحك والسخرية، بل الأسوأ: يصدرون بيانات رسمية يردون فيها على صحفنا العريقة كما لو كنا صحيفة جهوية مغمورة!
الجزائر اليوم تُقلقنا…
فهي لا تطلب ودّنا، ولا تخطب ودّ حلفائنا.
تُبرم عقودًا مع الصين وروسيا، تتحدث في الأمم المتحدة بلغة لا تليق بـ”مستعمَرة سابقة”، تستثمر في إفريقيا، وتستقبل رؤساء بينما نحن نُستقبل بفتور بروتوكولي مشفوع بابتسامة دبلوماسية باردة.
لقد أفسدهم الكبرياء.
صاروا يتحدثون عن “السيادة الرقمية”، و”التنمية الذاتية”، و”صندوق لدعم الإعلام الوطني”.
هل يمكن أن نتحمل فكرة أن الجزائر تُنظّر في الإعلام؟
نحن من كنا نعلّمهم كيف يصنعون الأخبار… والآن يصنعون إعلام مواجهة؟
يا للمصيبة.
ثم هناك تلك الجماهير الوقحة التي لا تُصفّق لمراسلينا على تويتر!
بل وتنتقدهم، وتسخر منهم، وتفضح تناقضاتهم بالمصادر والمراجع!
أين ذهب ذاك الجيل الذي كان يعتبر كل ما يخرج من باريس قرآنًا إعلاميًا؟
لقد ذهب… وحلّ مكانه جيل يتكلم بحرية، ويفكر بعناد، ويردّ بوقاحة سيادية!
لقد فشلنا، بكل تواضع.
ظننا أن بضع مقالات مسمومة ستهز ثقة دولة، وأن فريد عليلات وبقايا النخبة المصدومة سيكفون لزرع الشك.
لكننا نسينا شيئًا واحدًا: أن الجزائر، كلما هاجمناها… ازدادت قوة. وكلما شوّهنا صورتها… ازدادت وعيًا وجمالا وتألقا…
الجزائر اليوم تكتب روايتها الخاصة.
بالأمازيغية والعربية والفرنسية… ولكن بنَفَسٍ جزائري لا يُترجم.
لا تريد أن تُشبَّه بأحد، ولا أن تُختزل في يمين ويسار.
إنها تقول: أنا الجزائر… وكفى.
فيا أصدقاء باريس، دعونا نُقرّ بالحقيقة التي نخاف أن نكتبها:
الجزائر لم تغادرنا فقط… بل تجاوزتنا.
وها نحن، في غمرة عجزنا، لا نملك سوى أن نكتب عنها… لنشعر أنها لا تزال ملكنا.
لكنها لم تعد كذلك… ولن تكون.
ولعل هذا هو أقسى أنواع الاستقلال: ذاك الذي لا يعتذر.
أنيسة براهنة
بعد فترة استدمارية، الجزائر استنشقت هواء الحرية بدماء شهدائها، هذه الحرية بذكرى من ضحوا من أجل هذه الوطن ستكون أحسن دافع للمضي قدما والدفع بوطننا على جميع الأصعدة نحو مستقبل أفضل، المقال هذا لن يصيبنا بالغرور لأنه عدو النجاح، ولكن سنقرأه من جانب أن الموازين انقلبت وأن في جذور أبناء هذا الوطن رجولة كافية للقيام من تحت الثرى والارتقاء نحو النجوم.
ذكرى تجسد تاريخ الذاكرة