
رُمزٌ للذاكرة الجماعية الأفريقية ومقصدٌ بارز للسياحة الثقافية، تواجه جزيرة غوري السنغالية، الواقعة قبالة سواحل داكار، خطراً بطيئاً لكنه متسارعاً: تآكلٌ ساحلي يزداد حدة بفعل ارتفاع منسوب البحر وغياب الصيانة والتخطيط المستدام.
منذ تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1978، ظلت غوري شاهداً مؤلماً على تاريخ الرق، حيث كانت أحد أهم المرافئ التي مرّ عبرها ملايين الأفارقة المستعبدين نحو العالم الجديد. اليوم، تتآكل جدرانها الحجرية، وتنهار شواطئها وصخورها، وتفقد تدريجياً بريقها المعماري والرمزي.
السدود التي أُنشئت لحماية السواحل تهاوت، والأبنية التاريخية تُظهر تشققات وانهيارات، فيما تواصل مياه الأطلسي التهام أطراف الجزيرة التي لا يتعدى طولها 900 متر. السكان أطلقوا نداءات استغاثة متكررة، محملين السلطات الوطنية والدولية مسؤولية ما يصفونه بـ”الإهمال المتعمد”.
ورغم بعض محاولات الترميم، إلا أنها تبقى محدودة وموسمية، ولا ترتقي إلى حجم التهديد المتفاقم الذي يهدد الجزيرة في عمقها البيئي والتاريخي.
تترافق هذه الأزمة البيئية مع تدهور ملحوظ في الخدمات والبنى التحتية: شبكات صرف صحي مهترئة، نفايات منتشرة، ومبانٍ آيلة للسقوط. هذا الواقع الصادم انعكس سلباً على حركة الزوار، حيث سجّل مرشدون محليون تراجعاً واضحاً في عدد السياح، خاصة بعد جائحة كورونا، ما فاقم العزلة الاقتصادية للجزيرة.
من قلب المجتمع المدني والوسط الأكاديمي السنغالي، تتعالى الأصوات للمطالبة بخطة إنقاذ شاملة، تضع الجزيرة في صدارة أولويات الدولة ومؤسسات الحفظ الدولية. فغوري ليست مجرد موقع سياحي، بل رمز أفريقي للمعاناة والصمود، وجزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للقارة.
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وتزايد هشاشة السواحل الأفريقية، تبدو مأساة غوري إنذاراً أخيراً. إنقاذها ليس فقط مهمة ترميم، بل التزام أخلاقي وتاريخي بالسؤال عن عدالة الذاكرة، وأهمية حماية رموز النضال الإنساني من النسيان والتآكل.




