
عزلة المخزن ومحاولة استغلال توقف الرئيس الصيني
قراءة في المشهد السياسي والدبلوماسي
في خضم التوترات الإقليمية والدولية، يبدو أن المغرب، ممثلاً بسياساته الرسمية المعروفة بـ”المخزن”، يحاول استغلال كل نافذة ممكنة لتعزيز حضوره السياسي والدبلوماسي، حتى وإن كانت تلك المحاولات تأتي على حساب سياقات أكبر وأكثر تعقيدًا. هذا ما يمكن استنتاجه من محاولات الرباط الأخيرة استغلال توقف تقني للرئيس الصيني شي جين بينغ عن المشهد الدولي.
السياق الدولي والإقليمي
شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولاً لافتًا في ميزان القوى الدولية مع بروز الصين كلاعب محوري في الاقتصاد والسياسة. وفي هذا السياق، يبدو أن توقف الرئيس الصيني عن الحضور في بعض المحافل الدولية أثار حراكًا لدى العديد من الأطراف، بينها المغرب، الذي يسعى منذ فترة لإعادة تموقعه ضمن التوازنات العالمية، خاصة في ظل حالة العزلة التي بات يعاني منها نتيجة سياساته الإقليمية المثيرة للجدل.
عزلة المخزن ومحاولة استغلال توقف الرئيس الصيني
على الصعيد الإقليمي، يعيش المغرب حالة من التراجع الدبلوماسي بفعل تصاعد الانتقادات بشأن سياساته في ملف الصحراء الغربية وتهربه من الالتزامات الدولية المرتبطة بهذا الملف. كما أن انفتاح الجزائر على العالم ونجاحها في بناء تحالفات قوية مع قوى مثل روسيا والصين يعزز من عزلته ويضعه في موقف أكثر هشاشة.
محاولات استغلال توقف الرئيس الصيني
من اللافت أن يحاول المغرب توظيف أي فرصة لتحقيق مكاسب سياسية، ولو كانت هذه الفرصة تتمثل في ما يمكن وصفه بـ”الفراغ المؤقت” الناجم عن غياب الرئيس الصيني عن الأضواء. فالمخزن يسعى لتعزيز علاقاته مع الصين، وربما إظهار نفسه كشريك محتمل في مبادرة “الحزام والطريق”، خصوصًا في ظل التنافس الدولي الكبير الذي تشهده القارة الإفريقية.
لكن هذه التحركات تبدو أقرب إلى محاولات يائسة، خاصة أن بكين تعتمد على استراتيجيات طويلة المدى في علاقاتها مع الدول، ولا تتأثر كثيرًا بتغيرات صغيرة أو تحركات تكتيكية عابرة. إضافة إلى ذلك، فإن العلاقات الصينية الجزائرية، المتينة والمبنية على تعاون استراتيجي وشراكة اقتصادية واسعة، تجعل أي تقارب مغربي-صيني محفوفًا بالتحديات.
بين العزلة والمغامرة الدبلوماسية
تعكس هذه المحاولات توجهًا عامًا لدى الرباط للتغلب على العزلة الدولية والإقليمية التي تعاني منها. فالمخزن يدرك أن تعزيز حضوره في الساحة الدولية يتطلب أكثر من مجرد استغلال فرص قصيرة المدى أو تحركات تكتيكية، بل يحتاج إلى مراجعة جذرية لسياساته، خصوصًا تجاه قضايا الجوار.
السياسة الخارجية للمغرب أصبحت في السنوات الأخيرة متخبطة إلى حد كبير، حيث يفتقر المخزن إلى رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة يمكن أن تحظى بثقة الشركاء الدوليين. وبينما يعتمد على الدعم التقليدي من حلفائه في الغرب، خصوصًا فرنسا وإسرائيل، يبدو أنه عاجز عن بناء شراكات متوازنة مع القوى الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا.
إن محاولات المخزن استغلال غياب الرئيس الصيني عن المشهد الدولي تعكس أزمة أعمق تعاني منها السياسة الخارجية المغربية، والتي تتمثل في غياب رؤية استراتيجية واضحة، واعتمادها على التحركات المؤقتة بدل بناء تحالفات مستدامة. وفي ظل استمرار العزلة الإقليمية، يبقى الرهان الحقيقي بالنسبة للمغرب هو مراجعة سياساته، خاصة في القضايا الخلافية، والعمل على بناء جسور الثقة مع جيرانه بدل الاعتماد على تكتيكات قصيرة المدى قد لا تؤتي ثمارها.
في نهاية المطاف، تكشف محاولات المخزن استغلال غياب الرئيس الصيني عن المشهد الدولي عن تخبط دبلوماسي في مواجهة تحديات إقليمية ودولية أكبر من قدرته على المناورة. فبينما تسعى القوى الكبرى لبناء شراكات استراتيجية متينة تستند إلى المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي، يبدو المغرب غارقًا في حسابات قصيرة الأمد لا تزيده إلا عزلة. وفي عالم يتحرك بسرعة نحو التكتلات والتوازنات الجديدة، لا مكان للدول التي تتجاهل ضرورة المراجعة الجادة لسياساتها والعودة إلى أسس الدبلوماسية الحقيقية القائمة على الاحترام المتبادل والشراكات البناءة.
أنيسة براهنة