آخر الأخبارالرئيسيةدولياوطنيا
أخر الأخبار

سيداو.. حين تتحول الأسرة الجزائرية إلى ساحة صراع أيديولوجي

Spread the love

سيداو.. حين تتحول الأسرة الجزائرية إلى ساحة صراع أيديولوجي

منذ أن صادقت الجزائر عام 1996 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والجدل لم ينقطع حول حدود التوافق بين نصوص هذه الاتفاقية وبين خصوصية المجتمع الجزائري، المستند إلى منظومة دينية وثقافية عريقة. وقد بدا واضحًا أنّ الجزائر، شأنها شأن كثير من الدول الإسلامية، لم تدخل الاتفاقية دخول المطمئن، بل رافقتها بتحفّظات واسعة خاصة على المواد التي تمسّ قوانين الأحوال الشخصية، مثل الولاية في الزواج، الميراث، والهوية الأسرية.

غير أنّ مسار الزمن كشف عن ضغوط متزايدة لرفع هذه التحفظات، خصوصًا من طرف هيئات أممية ومنظمات دولية تربط بين التزامات الجزائر الحقوقية وبين صورتها الخارجية. ومع كل خطوة نحو تعديل موقفها، تتجدد موجة الرفض الشعبي والرسمي. ويكفي أن نذكّر أنّ الجزائر رفعت بعض التحفظات تدريجيًا، وصولًا إلى سنة 2009 حيث سقط آخر بند من التحفظات الرئيسية، ما فتح الباب أمام أسئلة عميقة: هل نحن أمام إصلاح تشريعي حقيقي يخدم المرأة الجزائرية، أم أمام استيراد لنموذج غربي يفتقر إلى مراعاة الخصوصية الوطنية؟

سيداو.. حين تتحول الأسرة الجزائرية إلى ساحة صراع أيديولوجي

اللافت أنّ موجة السخط الأخيرة على “سيداو” ليست معزولة عن سياقات دولية جديدة. فمنذ 2020 عادت الاتفاقية إلى واجهة النقاش، مع تصاعد الحملات الحقوقية العالمية وتزايد الربط بين قضايا الجندر، المساواة المطلقة، والضغوط الاقتصادية. بل إنّ أصواتًا محلية لمحت إلى أنّ بعض الشركات العالمية العملاقة – من بينها Chevron وExxonMobil – تدفع بخطاب “المسؤولية الاجتماعية” لتبرير استثماراتها في بلدان الجنوب، ما يجعل “سيداو” جزءًا من شبكة مصالح معقدة، تتجاوز الجانب الحقوقي البحت.

ما يجري اليوم هو صراع سرديات: في خطاب رسمي يرى في الالتزام بالاتفاقية تعزيزًا لصورة الجزائر كدولة تحترم حقوق الإنسان. مقابل خطاب شعبي وأكاديمي يصرّ على أنّ الأسرة الجزائرية هي العمود الفقري للمجتمع، وأي عبث بها تحت شعار “المساواة المطلقة” قد ينتهي بتفكيك البنية الاجتماعية.

في النهاية، يمكن القول إنّ معركة “سيداو” ليست معركة قانونية فقط، بل هي معركة هوية بامتياز. وبين من يعتبرها رافعة لتحرير المرأة، ومن يراها أداة لفرض نموذج حضاري دخيل، تبقى الجزائر مطالَبة بصياغة مقاربة وسطية، تُنصف المرأة دون أن تمسّ بجذور الأسرة ولا بميراثها الثقافي والديني. فالتحدي الأكبر ليس في “النصوص الدولية”، بل في قدرتنا على إيجاد حلول محلية، أصيلة، وعصرية في آن واحد.

الزئبق …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى