آخر الأخباردوليا
أخر الأخبار

دستور جديد… مفترق طريق لغينيا

Spread the love

في خطوة مفصلية ضمن مسارها الانتقالي، كشفت السلطات الغينية عن مشروع دستور جديد يُرتقب أن يُعرض على الاستفتاء الشعبي يوم 21 سبتمبر 2025، وفق ما أعلنه المجلس الوطني للانتقال. وثيقة تأسيسية من شأنها أن تعيد رسم ملامح السلطة، وتُرسي أسس عودة مرتقبة إلى النظام الدستوري.

ينص المشروع على الإبقاء على النظام الرئاسي، مع تحديد الولاية الرئاسية بسبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، خلافًا لما راج سابقًا حول إمكانية اعتماد ولاية من خمس سنوات. ويهدف هذا التوجه إلى إغلاق الباب أمام التلاعبات الدستورية السابقة، وتكريس الاستقرار على رأس الدولة عبر انتخابات مباشرة.

يعتمد المشروع صيغة برلمان بغرفتين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وهو مستجدّ مؤسساتي بارز في الحياة السياسية الغينية. يُناط بمجلس الشيوخ تمثيل الجماعات المحلية والتنظيمات المهنية والغينيين المقيمين في الخارج، تعزيزًا للتوازن المؤسساتي والتنوع التمثيلي.

يُشدد النص الدستوري على معايير دقيقة للترشح إلى سدة الحكم، أبرزها: الجنسية الغينية الأصلية، سن يتراوح بين 40 و80 سنة، إقامة رئيسية في البلاد، تأكيد السلامة الجسدية والعقلية من قبل لجنة طبية، والتصريح بالممتلكات.

كما يُسمح للمستقلين بالترشح، في تطور ملحوظ نحو مزيد من التعددية السياسية، مع إلزامية الإقامة داخل البلاد خلال السنوات الخمس السابقة للانتخاب.

يحمل المشروع إصلاحات جوهرية في مجال العدالة، أبرزها فصل المجلس الأعلى للقضاء عن السلطة التنفيذية، واستحداث محكمة خاصة لمحاكمة كبار المسؤولين في حال ارتكابهم أخطاء جسيمة أثناء أداء المهام.

كما ينص المشروع بوضوح على إلغاء عقوبة الإعدام، وتجريم التعذيب والمعاملات المهينة أو اللاإنسانية، بما يعزز من كرامة الإنسان ودولة القانون.

يقر المشروع حق التعليم المجاني والإلزامي حتى سن 17 عامًا، والتوجه نحو تأمين صحي شامل تدريجي، إلى جانب إمكانية فرض خدمة وطنية مدنية أو عسكرية بموجب القانون.

كما يُكرّس المشروع حماية البيئة، وترقية اللغات الوطنية، والحفاظ على التراث الثقافي، ويؤكد على المساواة بين الجنسين، من خلال آليات لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

يُدرج المشروع مبدأ عدم قابلية بعض الأحكام للمراجعة، كالجمهورية، استقلال القضاء، تحديد الولايات الرئاسية، والتداول السلمي على السلطة. كما يُمنع أي تعديل دستوري لمدة 30 سنة، إلا في حال استثنائية تستدعي استفتاءً شعبيًا.

النقطة الأكثر إثارة للجدل تكمن في صمت النص بشأن ترشح قادة المرحلة الانتقالية، وعلى رأسهم الرئيس مامادي دومبويا. في حين تنص “ميثاق المرحلة الانتقالية” الصادر عام 2021 على منعهم صراحة من الترشح، لم يأتِ مشروع الدستور على ذكر هذه المسألة، ما أثار مخاوف لدى فاعلين سياسيين ومنظمات مدنية من وجود نية لفتح المجال أمام بقاء السلطة الحالية.

أعلنت السلطات عن إطلاق حملة واسعة لتعريف المواطنين بمضامين المشروع الجديد، في جميع مناطق البلاد، تمهيدًا لاستفتاء يوصف بالمصيري لمستقبل غينيا السياسي والدستوري.

يراهن هذا المشروع على القطع مع ممارسات الماضي، وترسيخ أسس دولة ديمقراطية قائمة على الحق والقانون. لكن نجاحه سيظل مرهونًا بمدى احترام العملية الانتقالية لوعودها، وقدرة الطبقة السياسية على تجسيد تطلعات الغينيين إلى دولة حديثة وعادلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى