آخر الأخباريحدث اليوم
أخر الأخبار

حين يُرشّح “الذئب” لجائزة “راعي الغنم”

عن دبلوماسي مغربي و"إرث" مانديلا!

Spread the love

في خبر يكاد يجعل جدران قصر روبن آيلاند تتهشّم من الضحك، تم ترشيح دبلوماسي مغربي لجائزة نيلسون مانديلا! نعم، لا تتفاجأ، فالعالم أصبح أكثر طرافة من أن يؤخذ على محمل الجد. يبدو أن التاريخ قد قرر أخذ إجازة، والواقع انقلب ليمنح أوسمة نضال لمن لا يستطيع تمييز النضال من “قمع مظاهرة سلمية في العيون”.

الترشيح أثار سخط المجلس الوطني الصحراوي، واعتبره “خيانة لإرث مانديلا”. ونحن نوافق، بل ونضيف: إنها ليست خيانة فقط، بل صفعة ساخرة على وجه العدالة الدولية، مع قبلة اعتذار دبلوماسية مغلفة بورقة نعناع مغربية!

نيلسون مانديلا، الذي قضى 27 سنة في السجن لأنه رفض المساومة على حرية شعبه، يُستدعى اسمه اليوم لتزيين سيرة مسؤول ينتمي لدولة ما زالت ترى أن “حق تقرير المصير” هو اختراع سوفييتي. يا للسخرية!

في خطاب الترشيح، قيل إن الدبلوماسي “ساهم في تعزيز الحوار والسلام”. ربما المقصود هو ذلك السلام الذي يُفرض بالدبابات، وذلك الحوار الذي يبدأ بكلمة “اصمت” وينتهي بعبارة “ستُتابَع بتهمة الانفصال”.

قديماً كانت الأمم المتحدة تُطلق بعثات لحماية الشعوب من الاستعمار. اليوم، تُمنح جوائز لأصدقاء الاستعمار، بشرط أن يرتدوا بدلات أنيقة ويتحدثوا بلغة “التنمية المستدامة”. لا غرابة في أن تتحوّل بعض لجان الجوائز إلى ما يشبه لجان تحكيم لمسابقة ملكة جمال: من يبتسم أكثر، ويقول “سلام”، ينال التاج، ولو كان يقمع شعباً كل صباح.

مانديلا الحقيقي كان رجلًا ذا مواقف، لا مراسلات. لا يعرف المجاملة حين يتعلق الأمر بحقوق الإنسان. أما “مانديلا الجائزة”، فهو مجرد ظلّ يستخدم اسمه من يريد تبييض سيرةٍ قاتمة، وتحويل الغبار إلى ذهب، والاحتلال إلى “مبادرة حكم ذاتي موسعة”. كلا، ليس كل من تحدث عن المصالحة صار مانديلا، كما أن ارتداء قميص جيفارا لا يجعل منك ثوريًا، بل في أسوأ الأحوال، “إنفلونسر”.

رسالة مانديلا… من العالم الآخر

“أصدقائي في لجنة الجائزة،
تلقيت خبر ترشيح هذا الدبلوماسي وأنا أرتشف شاي الحرية مع المهاتما غاندي وهوغو تشافيز. كدنا نختنق من الضحك. لقد اختلطت علينا الأمور: أهذا تكريم لي، أم إهانة لأرشيفي؟ أرجو أن تحتفظوا بالجائزة، أو إن شئتم، امنحوها لإحدى مؤسسات إنتاج المساحيق السياسية. فلربما يحتاجها أحدهم لتلميع صورةٍ أصابها الصدأ من طول انتظار الاستفتاء.”
تحياتي من الأبدية – نيلسون

ماذا لو كان مانديلا حيًّا…؟؟؟

لو كان مانديلا حيًّا، لربما استعار من محمود درويش قوله: “أنا لستُ مني إذا قبِلتُ بهذا”. أو ربما اكتفى بهزة رأس حزينة، قبل أن يطلب إلغاء الجائزة من الأساس وتحويلها إلى جائزة “أفضل مسوّق لمعاداة تقرير المصير”.

في المرات القادمة، لا نستبعد أن يُرشّح دونالد ترامب لجائزة الأدب، وبشار الأسد لجائزة العمل الإنساني، أو حتى تُمنح نوبل للسلام إلى مُخترع الغاز المسيل للدموع. من يدري؟ فكل شيء ممكن في عصر الجوائز الهزلية.

ختامًا…لا يسعنا إلا أن نقول: رحمك الله يا مانديلا، فقد أصبحت أيقونتك تُعلّق على صدور من كانوا بالأمس يضعون الأغلال في يد من يشبهونك… حقًا، لقد صار العالم مسرحًا عبثيًا يُمنح فيه دور البطولة للجلاد بوجه الضحية.

ترشيح دبلوماسي من دولة تنكر تقرير المصير لجائزة مانديلا، ليس فقط سقطة أخلاقية، بل جريمة رمزية تُرتكب في وضح الجوائز.
لو كان مانديلا بيننا، لوقف في هيئة الأمم ليعلن انسحابه من اسمه، احتجاجًا على هذا التزوير الصارخ لذاكرة النضال.

أما نحن، فما علينا إلا أن نجهّز أنفسنا للآتي: فربما غدًا نُفاجأ بجائزة “الضمير العالمي” تُمنح لمهندس جدار الفصل العنصري، أو تُخصّص ميدالية لحقوق الإنسان لمن يتقن تقنيات الإخفاء القسري.

في زمنٍ كهذا، لا نملك سوى أن نرفع أيدينا للسماء، لا طلبًا للعدل، بل خوفًا من أن تُرشّح دموع الأمهات لجائزة المؤثرين، ويُحذف تعريف الحرية من القاموس الدولي بحجة “عدم توافقه مع الرؤية الجديدة للسلام”. ويا سلام على السلام …

أنيسة براهنة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نعم انها التفاهة ولكن نحن في اخر الزمان يحكم ويتكلم التافه لا عجب كما قال الحببب عليه الصلاة والسلام. سياتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويوتمن فيها الخاءن و يخون فيها الامين وينطق فيها الرويبضة. نسأل الله العافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى