
علينا أن نعترف بأن الغرب يُشكّل جسدًا اجتماعيًا متماسكًا؛ فالدول التي تؤلفه تتحرك وفق أهداف منسجمة ومتعددة الأبعاد، ولكلٍّ منها مهامّ تكمل الأخرى، لتُكوِّن معًا كيانًا متجانسًا.
أما نحن، فلا نملك أي رؤية واضحة، فنمضي في متاهة أوهامنا وأحلامنا، تتقاذفنا الرياح من كل صوب، وحتى حين نُدرك الأخطار التي تُحدق بنا، نبتعد أكثر عن الهدف الأسمى: إيقاظ وعينا الغافي.
فهل نمتلك حقًّا ثقافة منسجمة قادرة على ترسيخ قناعاتنا بأننا نسير في درب العقل والرشد؟
إن افتقادنا للبوصلة ولقدرة التمييز يجعلنا هشّين أمام تقلبات العالم. قراءتنا للأحداث مشوشة، لأن مرجعياتنا ليست من صنعنا، بل مما يُملى علينا أو يُفرض فرضًا.
لقد صدق من قال: «حين تضيق الرؤية، تعجز الفطنة عن المضي بعيدًا» — وها نحن اليوم نعيش هذا الضيق بكل تفاصيله.
نخضع لتقاذفٍ مقصود، وكأننا في حالة تلاعب مدروس؛ تارةً يُقدَّم لنا بوتين، ثم ترامب، فزيلينسكي أو بلير… ومرةً يهدد ماكرون (ولا نعلم مدى صدق ذلك)، فيردّ بوتين (ولا نعلم بدورنا إن كان ذلك صحيحًا).
وفي غياب معرفتنا بحقيقة ما يجري في الكواليس، يتناوب المحللون على الشاشات، لا ليُبصّرونا، بل ليُربكونا أكثر، فتتعاظم فينا حالة الاغتراب الذهني والتباس الفهم.
فمن نصدق؟ ومن نكذّب؟
أليس هذا بالضبط أحد الأهداف التي أُنيطت بالذكاء الاصطناعي؟
حميد بلحييب
ترجمة د. أنيسة براهنة



