آخر الأخباردوليا
أخر الأخبار

ثورة الخبز… شكراً على الرصاص

حين صرخ الشعب فأجابته البنادق

Spread the love

هناك ذكريات قد نرغب في دفنها، لكن الذاكرة الجماعية تُخرجها من قبرها كل عام … لا عن رغبة، بل كواجب مقدّس.

20 يونيو 1981، الدار البيضاء.
الناس خرجوا إلى الشوارع يطلبون خبزًا، ففوجئوا بالدولة تقدّم لهم الرصاص.
لم تكن مؤامرة خارجية، ولا انفصالًا داخليًا. كانت مجرّد صرخة جوع، فقوبلت بردّ أمني مفرط، سريع، دموي.

سُمّيت تلك اللحظة بـ “ثورة الكميرة” — اسم بسيط، يكاد يُشبه عنوان وصفة طبخ، أو نكتة عابرة. لكنه يختصر مأساة الذين لم يبقَ لهم شيء، لا قوت، لا كرامة، لا صوت.

الرقم الرسمي؟ 66 قتيلًا.
الرقم الحقيقي؟ أكثر من 600.
الرقم الذي يُدرَّس؟ صفر.

الدولة لم توزّع الخبز، بل وزّعت الجنود.
لم تفتح مخازن القمح، بل فتحت الزنازين.
لم تطرح حلولًا، بل طرحت الأجساد في الشوارع.

ولأن السياسة آنذاك تُدار من واشنطن إلى الرباط عبر خط تقشف مباشر، تولّى صندوق النقد الدولي مسؤولية “العقل”، وطلب من الدولة أن “تؤدب الفقراء باسم الاستقرار”.

وهكذا، صار الجوع تهمة. وصار الصراخ مشروعًا لقمعٍ استباقي.
وصار التاريخ… شيئًا يُحذف من المقرر، حفاظًا على هيبةٍ مصطنعة.

لكن الشعب لم يطلب امتيازًا.
هو فقط أراد الحياة.
صاح: “نريد أن نأكل”.
فأجابوه: “أنتم تهددون الأمن”.
قال: “نريد الكرامة”.
قالوا له: “سنفتح النار”.

الآن، في 22 يونيو 2025، وبعد مرور 44 عامًا، ماذا نطلب؟
لا نطلب تعويضًا، بل تذكّرًا.
لا نريد خطبًا، بل حقيقة.
لا نريد فخامة الأسف، بل تواضع الاعتراف.

لأن ما حدث في الدار البيضاء، قد يحدث في تونس، أو نواكشوط، أو الخرطوم، أو أي مدينة يُقتل فيها الجائع باسم الوطن.

وهل هذا كثير؟
أن نُعلِّم أبناءنا أن المغاربة ماتوا يومًا لا لأنهم خانوا، بل لأنهم جاعوا؟
أن نقول للتاريخ: نعم، هنا قُمعت الكرامة، وذُبِحت العدالة على مذبح التقشف؟

اليوم، نطالب بإضافة “ثورة الكميرة” إلى المقررات.
وإن لم تضيفوها، سنكتبها على الجدران.
وإن مُسحت، سننقشها على الشفاه.
وإن خُنقت، سنصرخ بها في الشعر، والصحافة، والذاكرة الحية.

لأن الخبز ليس خطرًا على الدولة.
لكن الدولة التي ترى في الجائع خطرًا… هي الخطر الحقيقي.

في النهاية، لا نريد أكثر من أن يُقال هذا بكل وضوح:

“في 1981، خرج الناس يطلبون الحياة، فوجدوا أنفسهم يودّعونها.
لم تكن ثورة خونة، بل نداء كرامة.
ولم يكن ذلك يوم غضب، بل يوم كشف.”

فالخبز لا يُكلف كثيرًا، لكن الكرامة إن سقطت… تكلف أوطانًا كاملة.

الزئبق البارد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى