
توجهات تبون في مكافحة الفساد
الإنجازات والتحديات
منذ تولي عبد المجيد تبون رئاسة الجزائر في ديسمبر 2019.. أعلن عن موقفه الحازم في مواجهة الفساد، الذي اعتبره أحد أكبر التحديات التي تواجه البلاد. جاء هذا الموقف في وقت كانت فيه الجزائر تشهد حالة من الإحباط الشعبي بسبب الفساد المستشري في مختلف مؤسسات الدولة.. والذي أثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني. وأدى إلى تدهور الثقة في مؤسسات الدولة. لذا .. كانت مكافحة الفساد أحد المحاور الأساسية في خطاباته ومن ضمن أولويات برنامجه الانتخابي.
الإرادة السياسية لمكافحة الفساد
أول ما تميز به تبون في مسار مكافحة الفساد هو الإرادة السياسية القوية التي أعلنها صراحة منذ بداية توليه المنصب. في أول خطاب له بعد الانتخابات، أكد تبون على أن مكافحة الفساد ستكون أولوية في فترته الرئاسية.. مشددًا على أن “الفساد هو العدو الأول للجزائر” و”لن يكون هناك تسامح مع الفاسدين مهما كانت مكانتهم”. كما أضاف أن هذا الموضوع لن يكون مجرد شعارات، بل سيكون برنامجًا عمليًا يتم تنفيذه على أرض الواقع، من خلال اتخاذ إجراءات صارمة لمحاسبة المتورطين.
ومنذ ذلك الحين، بدأ تبون بتنفيذ سياسة مكافحة الفساد بطرق متنوعة، من بينها فتح ملفات فساد كبيرة تم التستر عليها لعقود، بالإضافة إلى تشجيع ثقافة الشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الدولة.
الإجراءات والآليات المتخذة لمكافحة الفساد
1. محاكمات رموز الفساد
واحدة من أبرز الخطوات التي أقدمت عليها الجزائر بعد وصول تبون إلى الحكم كانت محاكمات كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية المتورطة في قضايا فساد. هذه الحملة، التي لاقت ترحيبًا كبيرًا من الشعب الجزائري، تضمنت محاكمة العديد من الوزراء والمسؤولين السابقين الذين كانوا جزءًا من النظام السابق الذي كان يهيمن عليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
من أبرز القضايا التي تم فتحها، تلك المتعلقة بفضيحة “سوفاك” (الشركة التي تمثل صناعة السيارات في الجزائر) وفضائح أخرى تتعلق بالعقارات والصفقات العمومية التي شابها الفساد. تم محاكمة عدد من رجال الأعمال المقربين من النظام السابق، بالإضافة إلى مسؤولين كبار في الحكومة، وهو ما يبعث برسالة قوية إلى أن أي شخص متورط في قضايا فساد سيكون عرضة للمحاسبة.
2. إصلاح المؤسسات الرقابية
بالإضافة إلى محاكمات الفاسدين .. عمل تبون على تعزيز دور المؤسسات الرقابية في الجزائر، مثل الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد وديوان المحاسبة. تم منح هذه الهيئات المزيد من الصلاحيات والموارد لتكثيف عمليات الرقابة والتحقيق في الأموال العامة والتصرفات غير القانونية في المؤسسات الحكومية.
كما أن تبون سعى إلى تعزيز الشفافية في إدارة الأموال العامة، من خلال تحسين آليات التعاقد الحكومي والمشتريات العامة، بهدف تقليص فرص الفساد في الصفقات العمومية. وأكد على ضرورة تطبيق الحوكمة الرشيدة التي تضمن متابعة دقيقة للمشاريع الحكومية من البداية إلى النهاية.
3. إصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته
جزء من عملية مكافحة الفساد كان مرتبطًا بتعزيز استقلالية القضاء، حيث أكد تبون على أهمية أن يكون القضاء بعيدًا عن أي تدخلات سياسية أو إدارية. وقد شهدت الفترة الرئاسية لتبون محاولات لإصلاح النظام القضائي من خلال تفعيل دور النيابة العامة وتوسيع صلاحيات القضاء في مكافحة الفساد المالي والإداري.
4. الرقابة على القطاع الخاص
في إطار محاربة الفساد، سعت الحكومة الجزائرية إلى تطوير نظام رقابي يتتبع أيضًا الشركات الخاصة. خصوصًا تلك التي تربطها علاقات وثيقة مع دوائر السلطة، مثل الشركات التي حصلت على صفقات عمومية ضخمة في عهد النظام السابق. فمكافحة الفساد لا تقتصر فقط على القطاع العام، بل تشمل أيضًا القطاع الخاص، خاصة الشركات التي استغلت علاقتها بالسلطة في تحقيق أرباح غير قانونية.
التحديات التي تواجه مكافحة الفساد
رغم تلك الجهود الكبيرة التي بذلها تبون في مجال مكافحة الفساد، فإن الطريق لا يزال طويلًا. فهنالك العديد من التحديات التي تواجه عملية مكافحة الفساد في الجزائر، أبرزها:
1. ثقافة الإفلات من العقاب
بعد سنوات من تسلط النظام السابق .. تكونت في الجزائر ثقافة واسعة للإفلات من العقاب … حيث كان الفاسدون يتعاملون مع المساءلة على أنها أمر غير وارد بالنسبة لهم. وبالتالي .. فإن تغيير هذه الثقافة يتطلب وقتًا طويلاً، وهو ما يصطدم أحيانًا بمقاومة داخلية من بعض الأطراف المتورطة في الفساد.
2. الضغوط السياسية والإقليمية
تواجه الجزائر ضغوطًا داخلية وخارجية من أجل الحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي. في بعض الأحيان، قد تكون هناك اعتبارات سياسية قد تؤثر على قدرة الحكومة على ملاحقة بعض الشخصيات المتورطة في الفساد. خاصة إذا كان لهم تأثير قوي في المشهد السياسي والاقتصادي.
3. التحديات القانونية والإجرائية
أحيانًا، يواجه القضاة والمحققون تحديات في جمع الأدلة أو الوصول إلى المعلومات اللازمة لإثبات التهم ضد الفاسدين. بالإضافة إلى ذلك .. قد تكون هناك صعوبة في تطبيق القوانين بشكل فعال نظرًا إلى تعقيد الإجراءات القانونية في قضايا الفساد الكبرى.
4. الإصلاحات الاقتصادية
بما أن الفساد كان يشكل جزءًا من النظام الاقتصادي والسياسي في الجزائر. فإن إصلاح هذا النظام بشكل كامل يتطلب تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية. وهذا يشمل تحسين بيئة الأعمال. وتطبيق سياسات مالية أكثر شفافية. وتقديم الحوافز للمستثمرين المحليين والدوليين بعيدًا عن أي محسوبيات.
رغم التحديات التي ما زالت قائمة .. يمكن القول أن الجزائر تحت قيادة الرئيس تبون قد قطعت شوطًا كبيرًا في عملية مكافحة الفساد. من خلال محاكمة الفاسدين. وتعزيز الرقابة. وتحسين الشفافية
وكذلك إصلاح النظام القضائي، تعمل الحكومة الجزائرية على تحقيق نتائج ملموسة في هذا المجال. إلا أن الطريق لا يزال طويلاً، والمطلوب هو استمرارية الإصلاحات وتطويرها، بحيث يصبح القضاء على الفساد عملية مستدامة، تتضمن تحولات عميقة في الثقافة السياسية والإدارية في البلاد.
ستظل مكافحة الفساد اختبارًا حقيقيًا لحكومة تبون. وإذا تمكنت الجزائر من النجاح في هذا المجال. فإن ذلك سيعيد بناء الثقة بين الدولة والشعب، ويؤسس لجزائر أكثر عدلاً وشفافية، في ظل بيئة اقتصادية وصحية أفضل للجيل القادم.