آخر الأخبارالرئيسيةدوليامتفرقاتمجتمعمحلياتوطنيايحدث اليوم
أخر الأخبار

تبون والعلاقات الجزائرية-الفرنسية

فترات التوتر والمصالحة

Spread the love

تبون والعلاقات الجزائرية-الفرنسية
فترات التوتر والمصالحة

تعد العلاقات بين الجزائر وفرنسا من أكثر العلاقات تعقيدًا في العالم، نظرًا للتاريخ المشترك الطويل، الذي يمتد لأكثر من 130 عامًا من الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والذي ترك آثارًا عميقة على الشعب الجزائري. وبعد استقلال الجزائر في عام 1962، استمرت العلاقات بين البلدين في التذبذب بين التوتر والمصالحة، وكان للرئيس عبد المجيد تبون دور كبير في التعامل مع هذه العلاقة، خصوصًا في فترة رئاسته.

1. خلفية تاريخية: الاستعمار الفرنسي وآثاره الدائمة

عندما استولت فرنسا على الجزائر في عام 1830، بدأت مرحلة من الاستعمار القاسي الذي دام لمدة 132 عامًا. خلال هذه الفترة، تعرض الشعب الجزائري لأبشع أنواع القمع والاستغلال، حيث تم تجريدهم من أراضيهم وثرواتهم، وقوبلوا بحملات إبادة جماعية، فضلاً عن تعذيبهم واضطهادهم. وكانت الثورة الجزائرية (1954-1962) بمثابة نقطة التحول التي أنهت هذا الاستعمار، لكن جراحها ظلت مفتوحة حتى اليوم.

استقلال الجزائر لم ينهِ الجروح التاريخية بين البلدين، فقد ترك الاستعمار الفرنسي إرثًا من مشاعر الغضب والمطالبات المستمرة بالاعتذار من قبل الحكومة الفرنسية عن الجرائم التي ارتكبتها بحق الجزائريين.

2. فترات التوتر: استمرار الخلافات والذاكرة المؤلمة

منذ استقلال الجزائر، ظلت العلاقات بين الجزائر وفرنسا مشحونة بالصراع بسبب العديد من القضايا التاريخية والسياسية. كانت الجزائر تطالب فرنسا بالاعتذار عن الجرائم الاستعمارية، وتقديم تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالشعب الجزائري. من جهة أخرى، كانت فرنسا تتعامل مع هذه المطالب بحذر، وتعتبر بعضها محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية.

التوترات في فترة حكم الرئيسين: بوتفليقة وماكرون

في فترة حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كانت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تشهد تذبذبًا. فبينما سعى بوتفليقة إلى إعادة بناء العلاقات مع فرنسا، كان هناك دوماً موقف جزائري ثابت يتمثل في ضرورة الاعتراف بجريمة الاستعمار الفرنسي.

أما من الجانب الفرنسي، فقد كان الموقف الرسمي يتسم بالتردد. ففي حين أن بعض المسؤولين الفرنسيين كانوا يعترفون بمعاناة الجزائريين تحت الاستعمار، كانت الحكومات الفرنسية ترفض الاعتذار العلني عن هذا الاستعمار.

الرئيس إيمانويل ماكرون والتصريحات المثيرة للجدل

في عام 2017، عندما كان إيمانويل ماكرون مرشحًا للرئاسة، أثار تصريحات له جدلاً كبيرًا حول الاستعمار الفرنسي، حيث وصفه بأنه “جريمة ضد الإنسانية” واعتبر أن الاستعمار “كان وحشيًا”. لكن بعد فوزه في الانتخابات، شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا فترات من التوتر بسبب تصريحاته المثيرة للجدل، وخاصةً عندما تحدث عن تاريخ الجزائر بطريقة اعتُبرت مهينة في بعض الأوساط الجزائرية.

وفي وقت لاحق، عندما أصبح ماكرون رئيسًا، كان عليه أن يوازن بين هذه التصريحات ورغبة فرنسا في إعادة علاقاتها مع الجزائر على أسس من التعاون المشترك.

3. المرحلة الجديدة: الرئيس تبون والمصالحة السياسية

منذ توليه الرئاسة في ديسمبر 2019، أبدى عبد المجيد تبون موقفًا مختلفًا تجاه العلاقات الجزائرية-الفرنسية مقارنة بسابقيه. تبون أصر على ضرورة معالجة القضايا العالقة بين البلدين، بما في ذلك التاريخ الاستعماري، لكنه في نفس الوقت كان يسعى إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية على أساس التعاون والمصلحة المشتركة.

الإصرار على قضية الذاكرة

رغم رغبة تبون في تحسين العلاقات مع فرنسا، إلا أنه لم يتراجع عن مطالبه المتعلقة بالذاكرة التاريخية. في عدة مناسبات، أكد تبون على ضرورة أن تعترف فرنسا بكل الجرائم التي ارتكبتها أثناء الاستعمار، بما في ذلك القتل الجماعي، استخدام الأسلحة الكيميائية، والتعذيب.

وفي عام 2021، أكدت الجزائر على ضرورة أن تتخذ فرنسا خطوات ملموسة للاعتذار عن جرائم الاستعمار، وقد شمل ذلك مطالبة فرنسا بتسليم الرفات البشرية لأبطال الثورة الجزائرية، والتي كانت محفوظة في متاحف فرنسا.

التعاون السياسي والاقتصادي: مصالح مشتركة

على الرغم من هذه القضايا العالقة، سعى تبون إلى تعزيز التعاون بين الجزائر وفرنسا في العديد من المجالات، مثل الاقتصاد والطاقة والتعليم.

في مجال الطاقة، كانت الجزائر وما زالت شريكًا رئيسيًا لفرنسا، حيث تعتبر الجزائر مصدرًا هامًا للغاز الطبيعي. تبون، الذي يسعى إلى تحسين وضع الجزائر الاقتصادي، يسعى إلى تعزيز هذا التعاون، لا سيما في ظل الأزمات العالمية للطاقة.

في المجال التعليمي، استمرت الجزائر وفرنسا في التعاون عبر برامج تبادل الطلاب والمنح الدراسية. هذا التعاون كان له تأثير إيجابي على الشباب الجزائري الذي يطمح إلى التعليم في فرنسا، مما يعزز الروابط بين الشعبين.

4. القضايا الإقليمية والدور المشترك في السياسة الدولية

على الرغم من التوترات، تتشارك الجزائر وفرنسا في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، حيث تجمع بينهما مصلحة مشتركة في قضايا الأمن الإقليمي، لا سيما في منطقة الساحل الأفريقي. الجزائر كانت ولا تزال تلعب دورًا محوريًا في مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا، وقد تعاونت مع فرنسا في عدة عمليات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية.

بالإضافة إلى ذلك، شكلت قضية الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا إلى أوروبا نقطة التقاء أخرى بين البلدين. الجزائر كانت حريصة على تعزيز التعاون مع فرنسا في هذه القضية، مع التركيز على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المغاربية لتقليل تدفقات الهجرة.

5. التحديات المستقبلية

رغم محاولات الرئيس تبون لتحقيق التقارب بين الجزائر وفرنسا، فإن العلاقة بين البلدين لا تزال مليئة بالتحديات. فهناك العديد من الملفات العالقة، مثل قضية الذاكرة التاريخية، الذي يعتبر نقطة حساسة في العلاقات بين البلدين. كما أن هناك صعوبة في تحقيق التوازن بين الاعتراف بالجراح التاريخية والبحث عن التعاون في قضايا أخرى.

أيضًا، تستمر القضية الليبية والأزمة في منطقة الساحل في التأثير على العلاقات بين الجزائر وفرنسا. الجزائر تعتبر نفسها جزءًا من الحلول في المنطقة، بينما تسعى فرنسا إلى تعزيز دورها العسكري والسياسي في تلك المناطق، وهو ما قد يتسبب في بعض التباين في وجهات النظر بين البلدين.

العلاقات الجزائرية-الفرنسية تحت حكم الرئيس عبد المجيد تبون تشهد مرحلة جديدة من التوازن بين المصالحة السياسية وتحقيق المصالح المشتركة. بينما يظل التاريخ الاستعماري بين البلدين حجر عثرة كبيرًا، فإن تبون يبذل جهدًا لتوسيع نطاق التعاون مع فرنسا في العديد من المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية. ومع ذلك، فإن الطريق إلى المصالحة الكاملة يتطلب خطوات ملموسة من كلا البلدين لمعالجة الجروح التاريخية وضمان أن العلاقات المستقبلية تقوم على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

أنيسة براهنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى