آخر الأخبارالرئيسيةوطنيا
أخر الأخبار

تاريخنا مع بغال باريس

من الاستحمار إلى الاستبغال

Spread the love

حتى الخيانة في الجزائر عرفت “تطورًا”! غير أنّها لم تتطور نحو الوعي أو الشرف، بل نحو الانحطاط. فمن الاستحمار الذي باع العقل للاستعمار، إلى الاستبغال الذي باع الكرامة لباريس… مسار كامل من الارتقاء بالمقلوب، حيث لا يولد الأحرار بل تتكاثر البغال.

الخيانة عند بعض الجزائريين لم تكن محطة عابرة، بل مسار حياة. بدأوا مستحمَرين زمن الاستعمار، يبيعون عقولهم وألسنتهم للمحتل، يبررون جرائمه ويتطوعون لإهانة شعبهم. وحين خرج آخر جندي فرنسي سنة 1962، لم يخرجوا هم من عباءة فرنسا، بل ارتقوا – إن صح التعبير – إلى مستوى جديد من الانحدار: الاستبغال.

الاستبغال ليس مجرد فقدان وعي، بل هو إذعان كامل، بهيمية سياسية، ورضوخ مطلق لمصالح باريس. تحولوا إلى بغال فرنسا، يجرّون عربتها الاستعمارية القديمة بحماس غريب، ويتنافسون على رضاها كما لو كانت قدرهم الوحيد.

والسؤال البديهي: لماذا دائمًا فرنسا؟!

لو كانت خيانتهم عن اقتناع حضاري أو مشروع فكري لشدّوا الرحال إلى أي بلد آخر. لكنهم يصرّون أن يظلوا أوفياء لجلاد الأمس، كأن لا حياة لهم إلا في أحضان باريس.

من الاستحمار إلى الاستبغال، تتبدل الأقنعة ويبقى الجوهر واحدًا: عمالة متجددة بوجوه مختلفة. أما الجزائر، فهي لا تحمل في ظهرها إلا أبناءها الأحرار.

وهنا يقف التاريخ موقفه الحاسم

فمن زاوية، تُكتب أسماء الخونة في الهوامش، حيث لا يقرأهم أحد إلا كعبرة على أن الوطن لا يرحم من باعه.

ومن زاوية أخرى، لا مكان لهم إلا في إسطبل فرنسا، كبغال تجرّ عربة المستعمر وتنتظر بقايا فتاته. لقد لفظتهم الجزائر كما تلفظ الأرض نفاياتها، لتحتفظ لنفسها بأبنائها الأحرار وحدهم، وتترك للآخرين قدرهم المحتوم: أن يُسجَّلوا في التاريخ لا كرجال، بل كدوابّ فقدت حتى حق النهيق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى