
في خضم انشغال المجتمع الدولي بأزمات طارئة في أوكرانيا والسودان وغزة، تعود برلين لتسلّط الضوء مجددًا على الملف الليبي، عبر احتضانها اليوم الجمعة 20 جوان لمؤتمر دولي جديد حول ليبيا، هو الثالث من نوعه ضمن مسار «برلين»، بمشاركة أعضاء اللجنة الدولية المعنية، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.
المبادرة الألمانية تسعى لإنعاش مسار سياسي مترنّح في ليبيا، حيث لا تزال البلاد غارقة في انقسام حاد بين سلطتين متنافستين: واحدة في الشرق مدعومة من قوى خارجية كروسيا والإمارات، وأخرى في الغرب تحظى بدعم تركيا وحلفائها. ورغم مرور أكثر من عقد على سقوط نظام معمر القذافي، فإن حلم بناء دولة ليبية موحدة لا يزال بعيد المنال.
وتثير الأوضاع الأمنية في طرابلس قلقًا متزايدًا، خاصة مع تجدد المواجهات بين الميليشيات منذ ماي 2025، ما يهدد بنسف أي مسعى لإجراء انتخابات ذات مصداقية. ومن المنتظر أن يشكّل الملف الأمني محورًا رئيسيًا في نقاشات المؤتمر، باعتباره شرطًا ضروريًا لأي تقدم سياسي حقيقي.
الارتدادات العنيفة للفوضى الليبية لم تكن يومًا شأنًا داخليًا محضًا، بل تشكّل اليوم مصدر تهديد مباشر للقارة الإفريقية. فغياب الاستقرار في ليبيا يغذي شبكات الاتجار بالبشر، ويمد الجماعات الإرهابية في الساحل بالسلاح، ويُسرّع وتيرة الهجرة غير النظامية نحو دول الجوار.
وبعد تغييبها عن النسختين السابقتين من مؤتمر برلين، تطالب إفريقيا اليوم بدور فعلي في حل الأزمة الليبية، ليس فقط كمتأثرة بها، بل كفاعل محوري يملك مفاتيح عدة لتسوية دائمة. غير أن التعاطي الغربي لا يزال يغلب عليه الطابع الأحادي، متجاهلًا في كثير من الأحيان الأولويات الإفريقية.
ورغم أن مؤتمر برلين لا يحمل وصف “الفرصة الأخيرة”، إلا أنه يأتي وسط مناخ من الإحباط العام، سواء داخل الأوساط الدبلوماسية أو بين الليبيين أنفسهم. فالسلام في ليبيا لا يزال رهينة لمعادلة معقدة من التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.
بالنسبة للدول الإفريقية، هذا الموعد يمثل أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي؛ إنه تذكير صارخ بأن استقرار ليبيا شرط لازم لاستقرار الإقليم بأسره. آن الأوان، كما يؤكد العديد من القادة الأفارقة، أن تُعامَل ليبيا كبلد يجب إعادة بنائه، بمشاركة الليبيين وجيرانهم، وليس كساحة صراع تتقاذفها الأجندات الدولية.