آخر الأخبارالرئيسيةمتفرقاتمحلياتيحدث اليوم
أخر الأخبار

برج بونعامة: صلابة الحجر ورقّة البشر

Spread the love

بقلم : البروفيسور محمد هدير

استُدعيتُ من طرف جمعية محلية ببرج بونعامة بولاية تسمسيلت يوم 05 أوت، وهي ذكرى غالية ومؤلمة في نفس الوقت، غالية من حيث الرمزية التاريخية والمتعلقة بثورة التحرير، وتذكير بمناقب الشهداء الأبرار والمجاهدين الأشاوس الذين ما زالوا بيننا يقدّمون لنا النصح بحماية البلاد والتأكيد على ضرورة التلاحم والحفاظ على الاستقلال الغالي الثامن.
ومن جهة أخرى، ذكرى مؤلمة، تذكرنا بوفاة أحد قادة الولاية الرابعة، القائد بونعامة، الذي أفنى مقتبل عمره في النضال مع حزب الشعب، ثم الانخراط في ثورة التحرير التي كانت ملهمة لكل شعوب العالم في التحرر من قيد الاستعمار والإمبريالية.
وللأسف، نحن نحتفل بيوم وفاة البطل، وكان من المفروض أن نحتفل بتاريخ ميلاده، باعتباره ميلاد بطل دحض الاستعمار الفرنسي بشجاعته وتخطيطه المنظم.
وعلى ذمة الحضور القوي من طرف الباحثين ورفقاء الشهيد بونعامة، أجمعوا على أخلاقه القوية وتفكيره الثاقب وشخصيته الملهمة والمحورية، التي تكلّم عنها ديغول، بأنه كانت له نظرة مخيفة، نظرة القائد الملهم الذي يخطط وينفذ ولا يضيّع الوقت.

كان الحضور مميزًا ومتنوعًا: من أطفال الكشافة الإسلامية، إلى طلبة من الابتدائي والمتوسط والثانوي، ناهيك عن باقة من الأساتذة والباحثين، وعلى رأسهم الدكتور سعيداني، الذي فاجأني بغزارة معلوماته وقدرته التحليلية على تفكيك الرموز، وتقسيم الولاية الرابعة، وكأنه يستنطق الأحداث الماضية، ويجعلها في الحاضر، ابتداء من تاريخ النضال إلى معركة باب البكوش، التي راح ضحيتها ألف ومئتا شهيد، وجمعت كل أطياف ربوع الوطن.

كما عرّج المؤرخ سعيداني على مشروع شال، الذي اتخذ من مدينة سعيدة قاعدة، ليعزل المنطقة الغربية عن الوسط، خاصة منطقة مطماطة، والتي تضم بلدية الملعب حاليًا وسيدي العنتري، لكن الثوار الأشاوس أفشلوا المشروع.
وما أعجبني هو قدرة الأستاذ المؤرخ سعيداني على استنطاق الأحداث، خاصة عندما سأل ديغول ضباطه عن خطتهم لعزل المنطقة، فقالوا: نعم، انظر؛ جبال الملعب، أي مطماطة، كلها معزولة.
فالتفت ديغول إليهم وقال: “هم معزولون؟ أم أنتم المعزولون هنا؟”

المهم، القاعة كانت تعبق برائحة الثورة والمجاهدين، وكأننا نعيش تلك الأيام، خاصة التفاعل الذي حصل بين الحضور والمتدخلين من مجاهدين وأساتذة وباحثين وشباب مهتمين بالتاريخ وأهمية الثورة، وليس اهتمامًا فقط، بل هناك شعور بالفخر والروح العالية لدى الشباب البرج بونعامي، وعلى رأسهم رئيس جمعية البيئة والسياحة، السيد سعاد، الذي كان متحمسًا ومتفاعلًا بالنقاش، وشغوفًا بمعرفة التاريخ، ومتواضعًا أمام الأساتذة والمؤرخين والمجاهدين، وعلى رأسهم سي عبد القادر شهوب المدعو “القودرو”، الذي انكوى بنار الاستعمار وهو صغير، وانضم إلى المجاهدين، وعانى من الجوع وقساوة الطبيعة المعروفة بالبرودة الشديدة والحرارة المرتفعة، والعزلة والحصار من طرف الاستعمار، لكن كتب له القدر أن يعيش إلى اليوم مفتخرًا ومنتشًيا باستقلال البلاد، رغم تقدم العمر.

للعلم، إن القودرو من أوائل حملة السلاح ضد الإرهاب، ولم تتعرض برج بونعامة للدوس من أقدام الظلاميين، وكانت حصنًا متينًا رفقة رفقاء السلاح، أمثال زرق العين أطال الله في عمره، وعمّي أحمد من تملاحت، الذي لم تفارق الابتسامة فمه، فرحًا بالأمن والاستقرار للبلاد.
وكان حضورهم لتوزيع الشهادات وتكريم الطلبة المتفوقين في شهادة التعليم المتوسط وشهادة الباكالوريا، التي توجت بها طالبة طارد بمعدل عالٍ، وحفظها للقرآن الكريم وتجويده، وكانت هي من بدأت الندوة التاريخية بترتيل القرآن الكريم.

وكنت خائفًا من ردة فعل الجمهور من “صوت المرأة حرام”، لكن ما إن انتهت من الترتيل، حتى صفق الحضور.
حمدت الله أن شعبنا متفتح، مثقف، ويتميز بالرقة والإخلاص، والكرم، وحسن الضيافة.

السلطات المحلية كانت حاضرة بقوة، وعلى رأسها رئيس بلدية برج بونعامة، الذي كان حاضرًا جسدًا وروحًا، وحريصًا على راحة الحضور وإنجاح الحفل، وكان يطوف ويجول، ويحدّق بالنظر في الحضور، ويسأل عن كل شيء، وكان كل الحضور ضيوفًا في بيته.
نِعم الرجل والمسؤول، إنها ميزة أهل المنطقة.

ذكرهم المؤرخ المرحوم توفيق المدني في كتابه تاريخ الجزائر، بأنهم شعب أمازيغي معرّب، يعرفون بالكرم، ولهم صلابة الجبال، ولهم رقّة في الأخلاق والكرم، كما وصفهم الأمير عبد القادر في كتاب أبو القاسم سعد الله في لقاء ولستون تشرشل مع الأمير، بأنهم قبائل أمازيغية استوطنت الجبال، تحترف الرعي والفلاحة والصيد، لكنهم كرماء، احتضنوا الأمير، وأغدقوا عليه ما يملكون من جياد وخيل مسوّمة، وقمح، وشعير، وتين مجفف، وانخرطوا في الجهاد.

كما ذُكروا في التاريخ بأنهم وقفوا مع الصحابي آبي دينار في نشر الإسلام وتوسعه في منطقة شمال إفريقيا.

م. هدير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى