آخر الأخبارالرئيسيةدوليا
أخر الأخبار

المنظمة الصهيونية العالمية (OSM)

جذور خفية وأدوار ممتدة عبر الزمن

Spread the love

منظمة الصهيونية العالمية، أو ما يُعرف اختصارًا بـ OSM، تمثل واحدة من أخطر الكيانات التي عملت في التاريخ الحديث على إعادة تشكيل الجغرافيا والسياسة في الشرق الأوسط. يعود تأسيسها إلى سنة 1897 في مدينة بازل السويسرية على يد ثيودور هرتزل، عقب انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول. كان الهدف المعلن حينها هو تجميع اليهود في كيان عالمي منظم يعمل على تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة وطن قومي في فلسطين، وهو المشروع الذي تطور مع مرور الزمن ليتحول إلى خطة متكاملة تحظى بدعم القوى الاستعمارية الكبرى مثل بريطانيا، التي وفرت له غطاءً سياسيًا من خلال وعد بلفور سنة 1917.

لقد رسمت المنظمة الصهيونية العالمية منذ نشأتها مجموعة من الأهداف التي لا تزال ثابتة إلى اليوم، رغم تغير الوسائل والسياقات. فقد عملت على تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وتهيئة الأرضية لاستيطانهم هناك، كما ركزت على زرع الفكر الصهيوني في أذهان الشباب اليهودي في مختلف أنحاء العالم، حتى يصبحوا جنودًا للفكرة قبل أن يكونوا مواطنين في دولة. إلى جانب ذلك، مارست المنظمة ضغوطًا سياسية ومالية على الحكومات الغربية، وضمنت لنفسها حضورًا قويًا في دوائر القرار، مما جعلها قادرة على فرض أجندتها في المحافل الدولية.

لم تكتفِ المنظمة بالعمل السياسي، بل سعت إلى بناء شبكة واسعة من المؤسسات الفرعية التي تضطلع بمهام مختلفة، مثل الوكالة اليهودية التي تُعنى بملف الهجرة، والكونغرس اليهودي العالمي الذي يشكل ذراعًا دبلوماسية فعالة. وإلى جانب هذه الأطر، تولت منظمات شبابية مهمة استقطاب الطلبة والمراهقين من خلال الرحلات التعليمية إلى إسرائيل والمنح الدراسية والأنشطة الثقافية التي تُقدم على أنها إنسانية أو معرفية. غير أن هذه الأنشطة لم تكن سوى بوابات للتجنيد الأيديولوجي وغرس الولاء للفكر الصهيوني في نفوس الأجيال الصاعدة.

ومع ظهور الفضاء الرقمي، أدركت المنظمة أن معركة اليوم لم تعد تقتصر على الأرض والسلاح، بل انتقلت إلى العقول. لذلك ضخت تمويلات ضخمة لدعم مؤثرين وصفحات إعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف إعادة صياغة خطابها بلغة عصرية تجذب الشباب وتُخاطب عواطفهم. وهكذا تحولت الدعاية الصهيونية إلى محتوى بسيط وسهل الانتشار، يتداوله المستخدمون دون وعي بخلفياته وأهدافه. ولعل المقاطع المصورة التي تُتداول اليوم عن نشاط المنظمة ودعواتها خير دليل على محاولتها التسلل إلى وعي الأجيال من بوابة الإعلام الجديد.

وإذا كانت المنظمة الصهيونية العالمية قد نجحت في تحقيق هدفها الأكبر وهو إنشاء دولة إسرائيل، فإنها اليوم تركز على تثبيت وجود هذا الكيان من خلال شرعنته وإعادة تقديمه إلى العالم بصور مختلفة. فبعد أن كان خطابها قائمًا على الاستيطان والهجرة، أصبح اليوم يتجه نحو التطبيع الناعم عبر الثقافة والاقتصاد والرياضة. وهذا ما يفسر ازدياد المشاريع المشتركة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، رغم ما يرتكبه الاحتلال يوميًا من جرائم في حق الشعب الفلسطيني.

إن خطورة المنظمة الصهيونية العالمية تكمن في قدرتها على الجمع بين العمل السياسي المباشر والدعاية الأيديولوجية الناعمة. فهي لم تعد تواجه الشعوب بالدبابات فحسب، بل تغزو وعيهم عبر الشاشات والمحتويات الرقمية. ولهذا فإن مواجهة هذا المشروع لا تكون فقط في الميدان العسكري أو السياسي، وإنما تتطلب جهدًا فكريًا وإعلاميًا يفضح أساليبه ويحصّن وعي الشباب من الوقوع في شراك دعايته.

في النهاية، يمكن القول إن المنظمة الصهيونية العالمية ليست مجرد ذكرى تاريخية تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، بل هي مشروع حي ومتجدد يستثمر في كل فرصة ويُعيد اختراع أدواته بما يتلاءم مع كل عصر. وما لم يمتلك العالم العربي والإسلامي إعلامًا مقاومًا ومجتمعًا مدنيًا يقظًا، فإن الخطر لن يظل قائمًا في فلسطين وحدها، بل سيمتد ليعيد تشكيل وعي المنطقة بأكملها وفق الرواية الصهيونية.

الزئبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى