آخر الأخبارمتفرقات
أخر الأخبار

الفاتح من ماي في إفريقيا: تعبٌ صامت وسعيٌ مرير نحو عملٍ كريم

Spread the love

1 ماي في إفريقيا: تعبٌ صامت وسعيٌ مرير نحو عملٍ كريم

في كل عام، تحلّ ذكرى اليوم الدولي للعمال، الموافق للأول من ماي، لتذكّر العالم بنضالات الحركات العمالية، والانتصارات الاجتماعية التي انتُزعت بشق الأنفس، وكرامة العمل التي ينبغي أن تضمنها كل أمةٍ لأولئك الذين يشيدون بنيانها كل يوم. وإذا كانت جذور هذا الحدث تعود إلى انتفاضات القرن التاسع عشر الصناعية، فإن صداه في إفريقيا المعاصرة يكشف عن واقع ملحّ ومتناقض في آن: قارةٌ ثريةٌ بمواردها وبشريّتها، لكن العمل الكريم فيها ما يزال حلماً بعيد المنال لملايين من أبنائها وبناتها.

إفريقيا تعمل… لكنها تتألم

في أسواق لاغوس المكتظة، ومواقع البناء في نيروبي، ومناجم كاتانغا، ومزارع الكاكاو الإيفوارية، يكدح ملايين الأفارقة يوميًا في ظل اقتصاد معولم لا يعترف بجهودهم. ووفقاً لأحدث بيانات منظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 85% من اليد العاملة الإفريقية تنشط ضمن القطاع غير الرسمي، فيما تبلغ هذه النسبة 92.4% في إفريقيا الغربية.

وفي هذا الواقع الهش، لا وجود لعقود عمل، ولا عطلة مدفوعة، ولا تغطية صحية أو تقاعد. العمل في هذا السياق مرادف للبقاء على قيد الحياة.

وتزيد البطالة المستشرية من تعقيد المشهد؛ فوفقًا للبنك الإفريقي للتنمية، فإن أكثر من 40% من الشباب الإفريقيين دون سن 25 عامًا بلا عمل. وفي المدن الكبرى، تصل هذه النسبة إلى أكثر من 50% في جمهورية الكونغو الديمقراطية، و46% في جنوب إفريقيا، رغم ما تحققه من ناتج محلي مرتفع نسبيًا.

النقابات وحقوق العمال: صوت خافت بعد قوة؟

لطالما كانت النقابات في إفريقيا من أبرز أدوات التحرر والتقدم الاجتماعي، لكنها تواجه اليوم تحديات متعددة: انقسامات داخلية، ضغوط سياسية، قمع حكومي، وتراجع نفوذها أمام طغيان القطاع غير الرسمي.

ورغم ذلك، ما تزال المطالب ملحّة. ففي عام 2024 وحده، سُجّلت أكثر من 60 إضراباً وطنياً في 15 دولة إفريقية، وفقًا لمكتب العمل panafrican، وتمحورت مطالبها حول الأجور المتأخرة، وظروف العمل المتردية، والفصل التعسفي، وعدم احترام الاتفاقات الجماعية.

النساء، الشباب، وعمال الاقتصاد الرقمي: الفئات المنسية

تمثّل النساء نحو 70% من اليد العاملة في القطاع الزراعي بإفريقيا جنوب الصحراء، لكنهن الأكثر عرضة للفقر وغياب الحماية الاجتماعية. ولعمل مماثل، يتقاضين أجورًا تقل بنسبة 30% عن نظرائهن من الرجال، حسب إحصاءات منظمة العمل الدولية.

أما الشباب، الذين يشكلون قرابة 60% من سكان القارة، فيواجهون سوقًا مشبعة وفرصًا نادرة. وتُقدّر مفوضية الاتحاد الإفريقي أن ما بين 10 إلى 12 مليون شاب يدخلون سوق العمل سنويًا، في حين لا يُخلق سوى 3 ملايين وظيفة رسمية عبر القارة بأكملها.

وفي المدن، تنشأ أشكال جديدة من العمل المرتبط بالاقتصاد الرقمي (سائقو التوصيل، المستقلون، العاملون عبر المنصات)، لكنها تظل خارج أي إطار قانوني أو حماية اجتماعية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 50 مليون إفريقي اشتغلوا في هذا القطاع سنة 2023 في ظروف هشة وبلا اعتراف قانوني أو ضمانات.

نحو عقد اجتماعي إفريقي جديد؟

أمام هذا الواقع المقلق، تدعو المؤسسات الإقليمية إلى يقظة جماعية. فقد طرحت مفوضية الاتحاد الإفريقي “خطة العمل من أجل تشغيل الشباب 2024–2030″، بهدف خلق 25 مليون وظيفة لائقة بحلول عام 2030، ودعم ريادة الأعمال عبر آليات تمويل مبتكرة. لكن هذه المبادرات ما تزال تصطدم بضعف التنسيق السياسي وصعوبة التنفيذ.

ورغم التحديات، هناك نماذج ناجحة تستحق الإشادة: رواندا، على سبيل المثال، تمكنت من رفع نسبة العمالة الرسمية بفضل سياسات نشطة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. أما الرأس الأخضر، فقد أقرّ نظام حماية اجتماعية شامل يغطي قرابة 80% من سكانه النشطين.

الأول من ماي: يوم مساءلة لا احتفال

في إفريقيا، لا يجب أن يكون 1 ماي مناسبة احتفالية شكلية، بل لحظة للوقوف الجاد، والتفكير الجماعي، والتغيير الجذري. فبدون عدالة اجتماعية، وبدون إصلاح عميق لنماذج الإنتاج، وبدون الاعتراف بعمل الملايين غير المرئي، فإن القارة مهددة بتحول ثروتها الديمغرافية إلى قنبلة اجتماعية.

إن تأمين عمل كريم، آمن، ومُعترف بقيمته لكل مواطن إفريقي، ليس ترفًا، بل شرط أساسي لتحقيق السلام، والازدهار، والسيادة الحقيقية.

إعداد: ك. أمير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى