شهد المغاربة في عام 2025 عيدًا استثنائيًا، لا لفرادة طقوسه أو عمق روحانيته، بل لغياب أبرز شعائره: ذبح الأضحية. قرار مفاجئ، نزل من أعلى هرم السلطة ببرود إداري، فأفرغ العيد من معناه الديني، وكشف وجهاً صارخًا من أوجه توظيف الدين في خدمة السلطة. خلف هذا القرار المعلَن بدعوى الجفاف، تَخْتَبئ أزمة أعمق: انهيار قطاع التربية الحيوانية، وسوء تسيير الموارد الطبيعية، وفشل الدولة في حماية الفئات الهشة من لهيب الغلاء.
السلطات ربطت المنع بندرة المياه. غير أن أزمة المناخ ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة خيارات تنموية منحازة لمدن كبرى، ولسياحة نخبوية، ولصادرات زراعية تخدم الأسواق الخارجية على حساب العالم القروي. سنوات طويلة من التحذيرات أطلقها سكان الأرياف، دون أن تجد آذانًا صاغية في الرباط أو القصر.
وحين بلغ الوضع حد الاختناق، اختار النظام ألا يصلح ولا يعوّض، بل أن يفرض. لا نقاش، لا استشارة، لا مساندة نفسية أو رمزية. القرار جاء فجًّا، مجرّدًا من الرحمة، كأنه ليس سوى محاولة لتغطية العجز بثوب الورع. لم تُعفَ النفوس من عبء التكاليف، بل جرى الالتفاف على الأزمة بلغة التقوى.
في هذا المشهد، يتجلى الخطر الأكبر: حين يتحول الإسلام إلى أداة تسيير لا مساحة تفكّر. حين يُختزل الدين في أداة طاعة، بدل أن يكون مساحة للمساءلة والعدل والتكافل. السلطة لا تُجدد الشعائر، بل تخنقها. لا تواسي الناس، بل تنطق باسم الله لإسكاتهم.
ما حدث هذا العيد ليس شأنًا داخليًا فحسب، بل ناقوس إنذار. حين يُقزَّم المواطن ويُختزل في متلقٍ لقرارات “عُليا”، فإننا لا نحتفل بعيد، بل نعيش طقوس إذعان جماعي تُفرض باسم الحكمة والشرع.
لقد آن أوان رفع الصوت. الدين ليس بطاقة سياسية، ولا تُعلّق الشعائر بمرسوم فوقي. الشعب المغربي يستحق دولة تنصت له، لا عرشًا ينطق نيابةً عنه.