
السياسات الاقتصادية لتبون
التحديات والفرص
عندما تولى عبد المجيد تبون رئاسة الجمهورية الجزائرية في ديسمبر 2019، كانت الجزائر تواجه سلسلة من التحديات الاقتصادية الكبرى التي تهدد استقرارها على المدى الطويل. فقد كان الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط والغاز، بينما كانت أسعار هذه الموارد الحيوية تعاني من تقلبات حادة على المستوى العالمي. من هنا، جاءت الحاجة الملحة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية تنقل الجزائر من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع يعتمد على القطاعات الإنتاجية الأخرى.
منذ توليه السلطة، وضع تبون السياسات الاقتصادية على رأس أولوياته، حيث تعهد بالعمل على تحقيق الاستقلال الاقتصادي للجزائر، وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا المقال، سنستعرض أبرز السياسات الاقتصادية التي تبنى الرئيس تبون، مع تحليل التحديات التي يواجهها والفرص التي يمكن أن تساعد في تحفيز الاقتصاد الوطني.
1. الاعتماد على التنويع الاقتصادي: تحديات وفرص
أحد أبرز الوعود التي قطعها تبون على نفسه هو تحويل الاقتصاد الجزائري من الاعتماد على النفط والغاز إلى اقتصاد متنوع يعتمد على عدة قطاعات إنتاجية أخرى. وكان قد أشار مرارًا إلى ضرورة تقليل الاعتماد على صادرات المحروقات التي تشكل حوالي 97% من إجمالي الصادرات الجزائرية. في هذا السياق، طرحت الحكومة الجزائرية “الاستراتيجية الوطنية للتنمية الاقتصادية”، التي تهدف إلى تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات.
الفرص:
الزراعة: تعتبر الزراعة واحدة من القطاعات التي تمتلك الجزائر فيها إمكانيات كبيرة، خصوصًا في المناطق التي تتمتع بمناخ مناسب مثل منطقة الشلف ووهران. تبني الجزائر مشروعات زراعية كبيرة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات، مثل الحبوب والفواكه.
الصناعة: تركز الحكومة الجزائرية على تطوير الصناعة الوطنية، لا سيما الصناعات التحويلية التي تشمل إنتاج السيارات، والمنتجات الغذائية، والأدوية. كما أن التوجه نحو تحسين الصناعات المحلية يعزز فرص خلق وظائف جديدة، خاصة في الأقاليم الداخلية التي تعاني من البطالة المرتفعة.
الطاقات المتجددة: في ظل التغيرات المناخية العالمية، تسعى الجزائر إلى استثمار مواردها الطبيعية من الشمس والرياح لتنمية قطاع الطاقات المتجددة. تعتبر الجزائر واحدة من الدول التي تملك إمكانيات كبيرة في هذا المجال، خصوصًا بعد أن أعلن تبون عن مشروعات ضخمة للطاقة الشمسية.
التحديات:
التحدي الأكبر هو الهيكل الإداري والبيروقراطي الذي لا يزال يعيق تنفيذ العديد من المشروعات الصناعية والزراعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف البنية التحتية في بعض المناطق يظل عائقًا أمام تنفيذ هذه المشاريع.
أيضا، نقص الاستثمار الخاص، سواء المحلي أو الأجنبي، يمثل أحد العوامل التي تحد من سرعة تنفيذ استراتيجية التنويع الاقتصادي. تتطلب هذه المشاريع من الحكومة وضع سياسة محفزة للقطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال.
2. إصلاحات القطاع المالي: تقليل العجز المالي ومحاربة التضخم
منذ بداية حكمه، عمل تبون على تعزيز القطاع المالي من خلال إجراء إصلاحات جذرية بهدف تقليل العجز المالي، وهو أحد التحديات الكبرى التي تواجه الجزائر في السنوات الأخيرة بسبب انخفاض أسعار النفط. تمثل هذه الإصلاحات محاولة للحد من التأثيرات السلبية للديون العامة وميزانية الدولة التي تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية.
الفرص:
الإصلاح الضريبي: يعد التحديث في النظام الضريبي خطوة هامة لتحفيز النمو الاقتصادي، حيث يسعى تبون إلى فرض الضرائب على القطاعات غير الرسمية (الاقتصاد الأسود) وتوسيع قاعدة الضرائب في البلاد. وهذا من شأنه أن يزيد الإيرادات الحكومية بشكل كبير.
تطوير النظام المالي: من خلال تحسين أسواق المال والبنوك، يمكن زيادة دور التمويل في دعم القطاع الخاص المحلي. كما أن تبني تقنيات جديدة مثل “التمويل الإسلامي” يمكن أن يفتح المجال أمام أسواق جديدة للاستثمار.
التحديات:
الديون العامة: تظل الجزائر تواجه تحديات كبيرة في إدارة الديون العامة، إذ أن الإنفاق الحكومي على الدعم الاجتماعي والمشروعات الكبرى يشكل عبئًا على الميزانية الوطنية.
التضخم: يشكل التضخم أحد العوامل المقلقة للاقتصاد الجزائري، حيث يؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين. تحتاج الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لخفض التضخم وتحقيق استقرار الأسعار في الأسواق.
3. الاستثمار في القطاع العام: مشاريع بنية تحتية ضخمة
من أجل تحفيز الاقتصاد الوطني، ركز تبون على تعزيز مشاريع البنية التحتية في الجزائر، حيث شملت مشروعات النقل، والإسكان، والطاقة. هذه المشاريع تُعتبر من أهم الأدوات لتوفير فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي المحلي.
الفرص:
البنية التحتية للنقل: مشاريع الطرق السريعة والموانئ والمطارات يمكن أن تسهم في تحسين الربط بين مختلف مناطق الجزائر وتعزيز التجارة الداخلية والخارجية.
الإسكان: كان تبون قد أعلن عن مشروعات ضخمة لتوفير مساكن للشباب، حيث يسعى إلى تعزيز قطاع البناء كأحد محركات النمو الاقتصادي.
الطاقة: تطوير قطاع الطاقة، لا سيما الطاقات المتجددة، يمثل فرصة كبيرة لزيادة صادرات الجزائر من الكهرباء إلى دول شمال إفريقيا وأوروبا.
التحديات:
التمويل: تحتاج الجزائر إلى توفير تمويل ضخم لهذه المشاريع، بينما يعاني الاقتصاد من نقص الموارد بسبب انخفاض أسعار النفط.
الفساد: الفساد الإداري في بعض القطاعات يعوق تنفيذ مشروعات البنية التحتية، ما يسبب تأخيرات ويؤدي إلى هدر الأموال العامة.
4. مكافحة البطالة: خلق فرص عمل للشباب
تعتبر البطالة من أبرز القضايا التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري، خاصة في صفوف الشباب. في هذا السياق، يعد خلق فرص العمل أحد أبرز أولويات تبون. وتبنى الرئيس استراتيجية للتوظيف تهدف إلى تقليص البطالة وتحفيز القطاع الخاص على استيعاب المزيد من القوى العاملة.
الفرص:
قطاع التكنولوجيا: يشهد قطاع التكنولوجيا في الجزائر نموًا ملحوظًا، ويعتبر من القطاعات الواعدة في خلق فرص عمل. دعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة يمكن أن يكون له دور كبير في توفير وظائف للشباب.
التدريب المهني: الاهتمام بتدريب الشباب على المهارات اللازمة في سوق العمل، سواء في المجالات التقنية أو الإدارية، سيسهم بشكل كبير في تقليص البطالة.
التحديات:
العوامل الاجتماعية: لا يزال القطاع العام يشكل الشريحة الأكبر من سوق العمل، ويعاني الشباب من صعوبة في العثور على وظائف خارج هذا القطاع، مما يحد من فرصهم في سوق العمل الخاص.
الهجرة غير الشرعية: يسعى تبون إلى معالجة أسباب الهجرة غير الشرعية من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص عمل حقيقية.
إن السياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس عبد المجيد تبون تمثل محاولات جادة لتحويل الاقتصاد الجزائري إلى اقتصاد متنوع وقادر على مواجهة التحديات العالمية. ورغم وجود العديد من التحديات، من بينها ضعف البنية التحتية، ومشكلة الفساد، والاعتماد المفرط على النفط، فإن الفرص المتاحة في القطاعات مثل الزراعة، الصناعة، والطاقة المتجددة تقدم آفاقًا واعدة للنمو الاقتصادي.
من خلال استراتيجيات الإصلاح المالي، وتطوير البنية التحتية، وتوسيع نطاق الاستثمار، يمكن للجزائر أن تحقق تحولًا اقتصاديًا مستدامًا. لكن النجاح يتطلب تنفيذًا فعّالًا للإصلاحات، وتحسين بيئة الأعمال، وكذلك معالجة المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالبطالة والهجرة غير الشرعية.
أتيسة براهنة