
الذكرى 52 لتأسيس جبهة البوليساريو
حين يُخلد الزمن ذاكرة شعب يأبى الانكسار
ليست الذكرى الثانية والخمسون لتأسيس جبهة البوليساريو مجرد رقمٍ يتكرر في تقويم النضال، بل هي لحظة فارقة تعيد طرح السؤال الجوهري الذي لم تجرؤ الأنظمة ولا المنظمات على مواجهته بصدق: ماذا تبقّى من حق الشعوب في تقرير مصيرها في عالم تعيد فيه الجغرافيا تشكيل التاريخ على مقاس المصالح؟
في 10 ماي 1973، لم يولد تنظيم سياسي فقط، بل ارتفع صوت جديد في قلب الصحراء، يحمل شحنة أمة مكبّلة وأحلام شعب أعزل اختار أن يواجه الدبابات بالإيمان، وأن يزرع الدولة في أرض لم تُنجز استقلالها بعد. في ذلك اليوم، أُعلنت جبهة البوليساريو لا كحركة انفصال كما أراد البعض تصويرها، بل كصرخة حرية في وجه استعمارات متعددة الوجوه: استعمار عسكري مباشر، واستعمار دعائي ناعم، واستعمار قانوني يختبئ وراء تأويلات مبتورة لخرائط الأمم.
خمسون عامًا ويزيد، وما تزال المخيمات في تندوف شاهدة على صبرٍ لا مثيل له، وعلى جيل وُلد لاجئًا لكنه لم يتخلَّ يومًا عن حلم العودة بسيادة كاملة. خمسون عامًا من الدبلوماسية المتعددة المسارات، من الخنادق إلى الأمم المتحدة، من مفاوضات متعثرة إلى مقاومة شعبية لا تخبو جذوتها، ومن محاولات التهميش إلى انتزاع الاعترافات واحدة تلو الأخرى، من قارات لم تُبَع ضمائرها.
وها هو المشهد اليوم: إقليم مضطرب، سُحب حرب تلوح في الأفق، خريطة مغاربية تتهددها نزعة الهيمنة المقنّعة في مشاريع اقتصادية وسياسية ظاهرها تنمية وباطنها إعادة رسم موازين القوة، وعالمٌ دولي يزداد صممًا إلا إذا تكلمت المصالح.
في خضمّ هذا، يبقى صوت البوليساريو صوت العقل التاريخي والحق السياسي. صوتٌ لا يطلب المستحيل، بل فقط تنفيذ قرارات دولية ظلت حبرًا على ورق. وما أشبه واقع الصحراء اليوم بكثير من القضايا العادلة في عالمٍ تنتصر فيه الدعاية على الحقيقة، ويُكافَأ فيه المعتدي بالصفقات، ويُعاقَب فيه الضحية بالصمت الدولي.
إن استذكار هذه الذكرى هو استحضار لكرامة الإنسان الصحراوي، ولعناد الحق حين يصير قدرًا لا يقبل المساومة. كما هو أيضًا دعوة صريحة للضمير المغاربي والعربي والإفريقي أن يعيد النظر في أولوياته، فالقضية الصحراوية ليست شأناً حدوديًا، بل اختبارًا أخلاقيًا لمدى صدق خطاب التحرر والعدالة الذي طالما ردّده الجميع دون وفاء.
في الذكرى 52، لا نحتفل بماضٍ نضالي فحسب، بل نعلن استمرار الزمن الصحراوي، بكل وجعه وأمله، كزمن لا يزال يبحث عن نهاية عادلة. ومثلما كانت البدايات حقيقية، فإن النهاية لن تكون إلا بالحرية.
أنيسة.ب




