
لطالما تصدّر المغرب قائمة الدول المصدّرة لراتنج القنب الهندي (الحشيش)، لكن ما يُخفى خلف الحقول الخضراء في جبال الريف، وشبكات التهريب العابرة للمتوسط، هو وجود نظام مافيوي ترعاه الدولة نفسها. المخزن – ذلك الجهاز السياسي-الأمني الذي يحكم من وراء ستار القصر – يلعب دور المايسترو في تجارة الحشيش: حاميها، منظمها، وأكبر المستفيدين منها. إنها اقتصاد موازٍ، تحوّل إلى دعامة غير معلنة للنظام الملكي.
صناعة قائمة على نفاق الدولة
رغم الخطاب الرسمي الذي يتبنى محاربة المخدرات، إلا أن الواقع يكشف لعبة مزدوجة: آلاف الهكتارات تُزرع بالقنب الهندي في منطقة الريف المهمشة تاريخيًا، بتواطؤ واضح من السلطات التي تغض الطرف طالما أن العائدات تصب في أعلى الهرم. عمليات مكافحة المخدرات تبقى استعراضية، والاعتقالات انتقائية، بينما يُترك “كبار المهربين” المحسوبون على السلطة في مأمن من المحاسبة.
الملك، القصر، وريوع الحشيش
الملكية في المغرب ليست مجرد متفرج، بل أحد المستفيدين الأساسيين من منظومة الحشيش. تقارير صحفية دولية – غالبًا ما تُقمع أو تُتجاهل داخل الإعلام المغربي – كشفت تورط مقربين من الملك محمد السادس في التحكم بمسارات تهريب الحشيش. من خلال شركات وهمية، وأعيان موالين للقصر، وشبكات من المتواطئين داخل الجمارك والجيش، يتم تأمين الربح لطبقة ضيقة بينما يُترك الفلاحون لمصيرهم.
الشرطة والجيش: الضامنان الفاسدان
المخزن، عبر أذرعه في الدرك والشرطة والمخابرات، يتحكم في مناطق الزراعة ومسارات التهريب. الرشاوى تتنقل عبر كل المستويات، وعبور الشحنات عبر المتوسط لا يتم غالبًا إلا بموافقة ضمنية من ضباط نافذين. من يرفض الدخول في اللعبة يتم تهميشه أو نقله قسرًا. نظام مغلق، حيث تتماهى الحدود بين السلطة والأمن والجريمة المنظمة.
سكان الريف: بين الفقر والتجريم
مزارعو الريف هم وقود هذه التجارة، يتسامح معهم النظام طالما يؤمّنون الإنتاج، لكنه لا يتردد في استخدامهم كورقة ضغط عند الحاجة. وخلال احتجاجات “حراك الريف” عام 2016، لوّحت الدولة بآلاف مذكرات التوقيف المعلقة ضدهم. الحشيش هنا ليس مجرد محصول، بل أداة للابتزاز السياسي. يتم الحديث عن إدماج الفلاحين الصغار في الاقتصاد القانوني، لكن التراخيص تذهب للموالين فقط.
تقنين على المقاس: نهب جديد بواجهة قانونية
قانون 2021 الذي شرّع استخدام القنب لأغراض طبية وصناعية لم يكن سوى ستار قانوني لاستحواذ الشركات متعددة الجنسيات – والتي تربطها صلات وثيقة بالقصر – على السوق. تقنينٌ يخدم النخبة ويقصي الفقراء. أما الفلاحون الصغار، فبقوا خارج اللعبة، من دون دعم ولا حماية. تقنين للأغنياء… وسجون للفقراء.
صمت دولي وتواطؤ أوروبي
الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه إسبانيا وفرنسا، يغض الطرف عن هذه الحقائق. فالمغرب شريك استراتيجي في ملفات الهجرة والأمن. الاستخبارات الغربية تدرك جيدًا مسارات التهريب، لكن المصالح تتفوق على المبادئ. هكذا يُسمح للحشيش المغربي بالتدفق إلى ضواحي أوروبا، بينما يتباهى الملك بعباءة الاحترام الدولي.
هل أصبح المغرب دولة مخدرات؟
قد يبدو الوصف قاسيًا، لكنه دقيق. حينما تنظّم دولة – خلف واجهة ملكية – تجارة المخدرات الدولية، وتحميها وتستفيد منها، في الوقت الذي تقمع فيه شعبها، فإن الأمر يتجاوز حدود الفساد. الحشيش ليس وباءً خارج السيطرة، بل أداة سيطرة سياسية واقتصادية في يد نظام يبيع وهم التحديث، ويتغذى على بؤس فلاحيه.
—
في أرقام
أكثر من 80% من الحشيش المستهلك في أوروبا مصدره المغرب
تقارير دولية ذكرت تورط مقربين من الملك في عمليات غسيل أموال مرتبطة بالحشيش
أكثر من 120 ألف مذكرة توقيف معلّقة ضد مزارعي الريف
لم يُدان أي مسؤول رفيع في قضايا تهريب المخدرات
—
أرقام مفصلية حول تجارة الحشيش في المغرب
المساحة المزروعة بالقنب (2023): حوالي 55,000 هكتار
الإنتاج السنوي التقديري: بين 700 و1000 طن من راتنج القنب
حصة المغرب من سوق الحشيش الأوروبي: أكثر من 80%
العائدات السنوية (غير الرسمية): 10 إلى 23 مليار يورو
عدد العائلات الريفية المعتمدة على القنب: أكثر من 90,000
السعر الوسطي للكيلوغرام في أوروبا: 1500 إلى 2500 يورو
عدد التراخيص الممنوحة في إطار التقنين (2023): 430 ترخيصًا، معظمها لشركات مقربة من السلطة
نسبة البطالة في مناطق الإنتاج: بين 30% و45%
بقلم: كاميليا أمير
ترجمة أنيسة براهنة