آخر الأخبارمحليات
أخر الأخبار

التراث الثقافي الرقمي في الجزائر: حماية الماضي وتحديات المستقبل

Spread the love

التراث الثقافي الرقمي في الجزائر: حماية الماضي وتحديات المستقبل

شهدت مدينة سعيدة تنظيم ملتقى وطني هام حول “التراث الثقافي الرقمي في الجزائر بين الحماية القانونية والتحديات المستقبلية”، بحضور نخبة من الباحثين والمختصين وممثلي المؤسسات الثقافية والإدارية. وقد شكّل هذا اللقاء العلمي مناسبة ثمينة لتدارس قضايا الساعة المتعلقة بالتحولات الرقمية العميقة التي يعيشها قطاع التراث، وسبل التوفيق بين الحفاظ على الهوية الثقافية وبين استثمار الوسائط الرقمية الحديثة.

في كلمتها الافتتاحية، أكدت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، أنّ حماية التراث الثقافي لم تعد تقتصر على الجانب المادي فحسب، بل بات لزامًا مواكبة التطورات الرقمية التي تفرض تحديات جديدة، لا سيما في ظل توسع رقمنة المعارف، وظهور منصات إلكترونية دولية تحتضن مضامين ثقافية قد تُسلب من سياقها الوطني. ولهذا، شدّدت الوزيرة على ضرورة مراجعة الإطار القانوني الحالي، وتحديدًا القانون رقم 98-04 المتعلق بالتراث الثقافي، من أجل تكييفه مع الواقع الرقمي الذي أضحى يفرض حماية من نوع مختلف، قائمة على الأمن السيبراني، والسيادة المعلوماتية، وضمان حقوق النشر والملكية الفكرية في بيئة افتراضية متغيرة باستمرار.

عرف الملتقى تقديم مداخلات علمية ثرية تناولت قضايا متعددة تتصل بالتحول الرقمي للموروث الثقافي، حيث أشار المشاركون إلى أن الرقمنة ليست فقط وسيلة للحفظ، بل هي أيضًا فضاء رحب للترويج والتثمين. ففي بلد يزخر بتراث مادي ولا مادي عريق، تصبح الرقمنة فرصة ذهبية لتوثيق المخطوطات النادرة، وتصوير المواقع الأثرية، وتسجيل التقاليد الشفوية، مما يسهم في حمايتها من الاندثار، ويمنحها بعدًا عالميًا من خلال النشر الرقمي. وقد تم التطرق كذلك إلى الجهود التي تبذلها الدولة في هذا المجال، من خلال البوابة الإلكترونية التي أطلقتها وزارة الثقافة سنة 2016، والتي تضم مكونات من التراث الوطني المادي واللامادي، في خطوة تهدف إلى جعل الثقافة الجزائرية أكثر حضورًا على الساحة الرقمية العالمية.

غير أنّ هذه الجهود، على أهميتها، ما تزال تصطدم بعدد من التحديات، أبرزها غياب النصوص القانونية المواكبة، وضعف التنسيق بين المؤسسات المعنية، ونقص الكفاءات المتخصصة في تقنيات الأرشفة الرقمية، إلى جانب مشكلات أمن المعلومات في بيئة تزداد فيها الهجمات السيبرانية تعقيدًا. كما شدد المتدخلون على أهمية إدماج البعد التربوي والتكويني في مسار حماية التراث الرقمي، من خلال إدراج الثقافة الرقمية في المناهج الدراسية، وتشجيع المشاريع البحثية التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، وتقنيات الحفظ الرقمي ثلاثي الأبعاد.

الملتقى اختُتم بتوصيات عملية تدعو إلى التسريع في مراجعة المنظومة التشريعية المتعلقة بالتراث، وإلى إشراك كل الفاعلين، من جامعات ومراكز بحث ومجتمع مدني، في بلورة رؤية وطنية لحماية التراث الثقافي الرقمي. كما دعت التوصيات إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المختصة، مثل اليونسكو والإيكوم، لتبادل التجارب والاستفادة من المبادرات العالمية في هذا المجال الحيوي.

إن تنظيم هذا الملتقى الوطني يعكس وعيًا متناميًا بأهمية الانخراط الجاد في مسار الرقمنة الثقافية، ليس فقط من أجل حفظ الذاكرة الجماعية، وإنما أيضًا لضمان استمرارية الرسالة الحضارية للجزائر، التي طالما كانت أرضًا للثقافة، وملتقى للحضارات. وبين حماية الماضي ورهانات المستقبل، يبقى التراث الثقافي الرقمي بوابةً استراتيجية نحو تثبيت الهوية الوطنية في عالم سريع التبدل.

ع. نبيلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى