غير مصنف
أخر الأخبار

الاختراق الناعم وخيانة الجوار

الهجرة الإفريقية إلى الجزائر بين الحقائق الصامتة والمخاطر القادمة

Spread the love

الاختراق الناعم وخيانة الجوار
الهجرة الإفريقية إلى الجزائر بين الحقائق الصامتة والمخاطر القادمة

ليست كل الهجرات متشابهة، ولا كل اللاجئين مظلومين. في زمن الحروب الصامتة، لم يعد التسلل يُقاس بعدد الأقدام التي تعبر الحدود، بل بنوع العقول التي تحملها، وبالجهات التي تدفعها. الجزائر، التي كانت دومًا مأوى للمستضعفين، وجدت نفسها اليوم أمام موجات بشرية لا تنتهي، تدفقت من عمق الساحل الإفريقي تحت لافتة “النجاة”، بينما تختفي خلفها خيوط معقّدة من التجنيد والاختراق والتخريب الصامت.

من يشاهد هذه الجماعات وهي تعبر الصحراء وتنتشر في المدن الجزائرية، قد يرى فقط ثيابًا رثة ووجوهًا متعبة، لكنه إن تمعّن في المشهد جيدًا، سيدرك أن الأمر تجاوز معاني اللجوء. ثمة انتظام في التحرك، وفهم مريب للجغرافيا، وتوزع غير عشوائي على المسارات. هؤلاء يعرفون الطرقات أكثر مما يعرفها بعض أهلها. وهذا وحده كافٍ لطرح السؤال الكبير: من يوجّههم؟ ومن يتكفل بإمدادهم بالمعلومة، وربما بـ”المهمة” أيضًا؟

هنا تبرز الحقيقة التي يتغافل عنها البعض عمدًا. إسرائيل، وعلى مدار عقود، عملت بهدوء على تشكيل طوق نفوذ يهودي في إفريقيا. من “يهود الفلاشا” في إثيوبيا، إلى “بيت إسرائيل” في غانا، و”الإيغبو” في نيجيريا، مرورًا بكنيس خفي هنا، وتدريب عسكري هناك. المئات من هؤلاء هاجروا إلى الكيان، وتلقوا تدريبات استخباراتية، وعادوا في صمت إلى قارتهم الأم، بعضهم بلباس مدني، وآخرون يحملون مهامًا استراتيجية. فهل الجزائر مستثناة من هذا المخطط؟ أم أن موجات “الهجرة” ليست إلا عباءة ناعمة لما يُطبخ من بعيد؟

الاختراق اليوم لا يأتي بالدبابات. بل برقاقات إلكترونية تُزرع قرب ثكنة، وإشارة تُلتقط من قمر صناعي، وهدف يُقصف بدقة كما يحدث في غزة، بفضل عملاء مدنيين يعرفون أين يقفون ومتى يختفون. وهذا السيناريو لم يعد من خيال الأدب السياسي، بل صار جزءًا من العقيدة العسكرية لبعض الدول التي ترى في الجزائر خصمًا عتيدًا يجب تطويعه بأي ثمن.

وحتى مع امتلاك الجزائر لأحد أقوى أنظمة الدفاع الجوي في القارة – نظام تفوق على جيرانها وعلى عدد من دول أوروبا – تبقى اليقظة ضرورة وجودية. فالقوة وحدها لا تحمي الأوطان إذا تغلغل الخطر من الداخل، وإذا تم اختراق المجتمع من بوابة “الضعف الإنساني”.

وما يزيد من تعقيد المشهد، أن الجزائر تُجابه هذا الاختراق بينما تُقيَّد في فضاء التعبير. فالمنصات الرقمية، التي تحولت إلى ساحات حرب بديلة، تمنع صوت الحق وتحجب كلمة “المقاومة” تحت بند “التحريض”، فيما تُفسح المجال لخطابات التفتيت والانقسام. كيف يُمنع المواطن من الدفاع عن قضيته، بينما يُسمح للغرباء بالتوغل على الأرض دون مساءلة؟

ثمّ تأتي المفارقة المريرة من الجوار الجغرافي. فالجزائر، التي فتحت مستشفياتها وأبوابها وقلوبها، والتي سامحت ديون مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، واحتضنت لاجئيهم لعقود، تتلقى اليوم صفعة دبلوماسية فجة. حادثة سيادية بامتياز – إسقاط طائرة درون على حدودها – تقابل بسحب سفراء من عواصم الجوار. سلوك لا يُفسَّر إلا ضمن سياق الاصطفافات الجديدة في الساحل، حيث تتبدّل الولاءات فجأة، وتُبنى المواقف لا على التاريخ، بل على حسابات آنية ترعاها جهات تُفضّل الفوضى على الاستقرار. فهل نحن أمام صعود نخبة سياسية في تلك الدول تُدار من غرف مظلمة ترى في الجزائر خصمًا بدلاً من شريك؟

وسط هذا الانقلاب الجغرافي، يصبح السؤال مؤلمًا: ماذا بقي من الأخوّة الإفريقية إن لم تُثمر سنوات الدعم والتضحية إلا النكران؟ ومتى سيُدرك بعض الساسة أن الجغرافيا وحدها لا تكفي لتأسيس علاقة متوازنة، إن لم تُدعَّم بالوفاء والاحترام المتبادل؟

ورغم كل هذه التحديات، يبقى صوت العقل الوطني واضحًا: نحن قد نختلف في الآراء، في السياسات، وحتى في المقاربات، لكن أمن الجزائر هو القاسم الذي لا يقبل القسمة، والخط الأحمر الذي لا يُمَسّ. الجزائر ليست نظامًا عابرًا، ولا شخصًا في منصب، بل وطنٌ بنته دماء، وصانه شهداء، وتنتظر الأجيال المقبلة أن نحميه من السقوط في فخ الاستغفال الناعم.

“خذوا حذركم”، هكذا أمر الله، فكيف لا نحذر في زمن الغدر، حين صار حتى التاريخ يُمحى، والجميل يُنسى، والمهاجر يُسلّح، باسم الإنسانية؟

تحيا الجزائر … وأعينها مفتوحة.

أنيسة براهنة

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. المقال طرح بجرأة ووعي عميق قضية الهجرة الإفريقية كواجهة لاختراق ناعم يهدد أمن الجزائر بأسلوب حاد وتحليل ذكي، كشف خيوطا خفية بين التحرك البشري والمخططات الجيوسياسية، مؤكدا أن اليقظة اليوم ليست خيارا بل واجب وطني.
    مسكورة استاذة على ذا الطرح
    تحيا الجزائر
    تحياتي الخالصة

  2. المقال طرح بجرأة ووعي عميق قضية الهجرة الإفريقية كواجهة لاختراق ناعم يهدد أمن الجزائر. بأسلوب حاد وتحليل ذكي، كشف خيوطًا خفية بين التحرك البشري والمخططات الجيوسياسية، مؤكدًا أن اليقظة اليوم ليست خيارًا بل واجب وطني.
    مشكورة استاذة على ذا الطرح
    تحيا الجزائر
    تحياتي الخالصة

  3. إن النداء الذي يرفعه النص ليقظة وطنية واعية هو دعوة صادقة للمجتمع بمختلف أطيافه، لوضع مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار، والتفطن لمحاولات التشويه والاختراق مهما كانت ناعمة أو مغلّفة بشعارات براقة.
    تحياتي الخالصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى