
الأخبار الزائفة: سلاح الدمار الشامل الجديد
تواجه إفريقيا اليوم تهديدًا صامتًا لكنه بالغ الخطورة: حرب التضليل الإعلامي. ففي عالم مترابط حيث تنتقل المعلومة بسرعة البرق، تحولت الأخبار الزائفة إلى أسلحة رقمية تُستخدم لزعزعة استقرار الدول، وبث الشك، وتقويض أسس التماسك الاجتماعي.
وباتت منصات التواصل الاجتماعي الساحة الأولى لهذه الحرب المعلوماتية الجديدة. فالمعلومات المضللة والمغلوطة والكاذبة تنتشر بشكل فيروسي، دون رقيب، في بيئات تفتقر غالبًا إلى أدوات التحقق وفهم المحتوى السام. النتيجة: تأجيج التوترات المجتمعية، تآكل ثقة المواطنين، والطعن في شرعية المؤسسات.
هذا الواقع المقلق أصبح محل إجماع على المستوى القاري، إذ لم تعد الأخبار الكاذبة مجرد ظاهرة، بل خطر أمني داهم. وخلال ورشة عمل إقليمية نظمها مكتب الاتصال لشمال إفريقيا التابع للجنة أجهزة الاستخبارات والأمن الإفريقية (CISSA) بالجزائر، حذّر المنسق الإقليمي ماداما ماهوندي من أن هذا الخطر بات عابرًا للحدود، مشددًا على أن “الردّ القاري العاجل” هو السبيل الوحيد لاحتوائه، خاصة في ظل تسارع تطور تكنولوجيا المعلومات.
تحذير ماهوندي جاء متناغمًا مع موقف وزير الاتصال الجزائري، محمد ميزيان، الذي دعا إلى تعزيز الأطر التشريعية الوطنية والدولية لمحاربة هذه الظاهرة، مقترحًا إنشاء منصة إفريقية موحدة تضم خبراء في الأمن السيبراني، ومختصين في الإعلام الاستراتيجي، ومهندسين في التكنولوجيا الرقمية. من شأن هذه البنية أن تتيح ليس فقط رصد الحملات العدائية، بل الرد عليها بشكل منسق وفعّال.
لكن المعركة لا تُحسم بالتشريعات وحدها، بل تبدأ من وعي الأفراد. فالتوعية المجتمعية، خصوصًا وسط الشباب، أصبحت ضرورة قصوى. فهم الأكثر اتصالًا بالعالم الرقمي، وغالبًا ما يتحولون، دون قصد، إلى أدوات فعّالة في نقل المحتوى المنحرف. ومن هنا، فإن غرس ثقافة التحقق من المعلومات، وتعزيز التفكير النقدي، وتكثيف التربية الإعلامية، هي ركائز استراتيجية الصمود الجماعي.
وفي الوقت ذاته، يقع على عاتق الحكومات واجب الاستثمار في نشر معلومات موثوقة وشفافة. خلق قنوات تواصل رسمية، لا سيما أثناء الأزمات، وتوثيق التعاون بين وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، كلها عوامل تُشكّل جدار صد أمام مصادر الأخبار الزائفة. كما أن منصات التواصل ذاتها مطالَبة بتحمل مسؤوليتها في ضبط المحتوى المتداول.
صون مجتمعاتنا من هذا الخطر يعني أيضًا تأكيد السيادة الرقمية الإفريقية، في زمن لم تعد فيه السيادة تُقاس فقط بالحدود الجغرافية، بل أيضًا بالقدرة على التحكم في تدفق المعلومات.
ف. بن
ترجمة أنيسة براهنة