
دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية مجددًا في نفق التوتر بعد التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان لصحيفة لوفيغارو، والتي أعلن فيها عزمه توجيه تعليمات إلى المحافظات الفرنسية بعدم الاعتداد بجوازات السفر التي تصدرها القنصليات الجزائرية لمواطنيها المقيمين في فرنسا لأغراض تتعلق بطلبات تصاريح الإقامة.
وأثارت هذه التصريحات، التي وُصفت بالاستفزازية، ردًا فوريًا وحازمًا من قبل السلطات الجزائرية، حيث نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مصدر مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية رفضه التام لهذا الموقف، واعتباره “تصريحًا تعسفيًا وتمييزيًا يمثل إساءة لاستعمال السلطة ويتنافى حتى مع التشريع الفرنسي نفسه”.
الجزائر تذكّر فرنسا: السيادة لا تُساوَم
وأوضح المصدر أن منح جوازات السفر حق سيادي أصيل للدولة الجزائرية، واستصدارها يعد واجبًا تجاه مواطنيها سواء داخل التراب الوطني أو في الخارج. كما أكد أن هذه الوثائق تصدر وفق القوانين الوطنية وتنفيذا للالتزامات القنصلية تجاه الجالية، وبالتالي فإن الاعتراف بها من طرف فرنسا يُعد أمرًا بديهيًا وملزمًا في إطار احترام العلاقات الثنائية والقوانين الدولية.
وأضاف أن التصريح الصادر عن الوزير الفرنسي يحمل أبعادًا سياسوية وانتخابوية واضحة، ويأتي في سياق تصاعد الخطاب اليميني الذي يستهدف الجالية المغاربية في فرنسا، وهو ما يشكل، حسب المصدر، “انزلاقًا خطيرًا في الخطاب الرسمي الفرنسي تجاه دولة صديقة وشريك تاريخي”.
جوازات السفر الجزائرية… بطلب فرنسي؟
وفي معرض توضيح الملابسات، كشف المصدر ذاته أن جوازات السفر التي تصدرها القنصليات الجزائرية تسلم في الغالب استجابة لطلبات واردة من المحافظات الفرنسية نفسها، التي تعتبر هذه الوثائق ضرورية ضمن ملفات طلبات الإقامة. وبالتالي، فإن “الامتناع عن الاعتراف بها ليس فقط تناقضًا إداريًا، بل انتهاكًا مباشرًا لحقوق الأفراد، وإخلالًا بالتزامات فرنسا الثنائية تجاه الجزائر”.
خلفيات سياسية… وتوترات متكررة
ويرى مراقبون أن تصريحات الوزير الفرنسي تأتي في خضم أجواء سياسية مشحونة تعيشها فرنسا مع اقتراب استحقاقات انتخابية، حيث يسعى بعض السياسيين الفرنسيين إلى كسب أصوات اليمين المتطرف عبر استهداف الجالية الجزائرية والمهاجرين بصفة عامة.
وليست هذه المرة الأولى التي تُسجَّل فيها مواقف فرنسية تتسبب في توتر العلاقات الثنائية، إذ سبقتها أزمات متعددة تتعلق بالتأشيرات، والذاكرة التاريخية، وملف الهجرة، ما يدفع الجزائر في كل مرة إلى التأكيد على ضرورة احترام السيادة والمعاملة بالمثل.
الجزائر تحتفظ بحق الرد المناسب
وفي ختام التصريح، شدد المصدر الجزائري على أن الجزائر تتابع هذه التصريحات ببالغ الجدية وتحتفظ لنفسها بحق اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية حقوق رعاياها وضمان احترام سيادتها، داعيًا السلطات الفرنسية إلى “ضبط الخطاب السياسي الرسمي بما يتوافق مع الالتزامات الدولية ومبادئ الشراكة المتوازنة”.
تحليل: هل يتحول الخلاف إلى أزمة دبلوماسية مفتوحة؟
يرى خبراء في العلاقات الدولية أن هذا التصعيد قد يكون مقدمة لأزمة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، خاصة إذا ما أصرت باريس على تنفيذ ما جاء في تصريحات وزير داخليتها. ويؤكد هؤلاء أن الكرة الآن في ملعب الإليزيه لتوضيح الموقف الرسمي، وتفادي انزلاق قد تكون له تداعيات سياسية وقنصلية واسعة، ليس فقط على مستوى الدولتين، بل على مصالح ملايين الجزائريين المقيمين في فرنسا.




