
من المرتقب أن تشهد العاصمة الأميركية واشنطن، يوم الجمعة، توقيع اتفاق سلام تاريخي بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، في خطوة دبلوماسية بالغة الأهمية تهدف إلى طيّ صفحة أحد أطول النزاعات المعقدة في القارة الإفريقية. المبادرة، التي تقودها الولايات المتحدة، تسعى إلى بناء مناخ من الثقة بين كينشاسا وكيغالي بعد سنوات من التوترات الحدودية والاتهامات المتبادلة، لا سيما بشأن الأوضاع الأمنية المتدهورة في شرق الكونغو.
وساطة أميركية فاعلة في سياق إقليمي مضطرب
ويأتي هذا الاتفاق بعد أسابيع من التحضيرات، في ظل تصاعد العنف في شرق جمهورية الكونغو، حيث تُتهم حركة “M23” المتمردة بالوقوف وراء العديد من الهجمات، وهي جماعة تتهم كينشاسا رواندا بدعمها، في حين تنفي كيغالي ذلك بشدة. ومع تعثر جهود الوساطة الإفريقية، دخلت واشنطن على خط الأزمة بثقل دبلوماسي واقتصادي واضح، واضطلعت بدور الوسيط المحوري لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
الاتفاق المنتظر توقيعه من طرف وزيري خارجية البلدين، يتضمن محورين أساسيين:
محور أمني يركز على آليات خفض التصعيد في المناطق الحدودية، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون المشترك في مكافحة الجماعات المسلحة العابرة للحدود. كما ينص على إمكانية نشر مراقبين دوليين في النقاط الساخنة.
محور اقتصادي يهدف إلى إعادة تنشيط التبادلات التجارية بين البلدين، وتطوير ممرات اقتصادية إقليمية، واستغلال بعض الموارد الاستراتيجية، خصوصًا في القطاع المنجمي، تحت إشراف دولي.
يرى العديد من المراقبين الأفارقة في هذا الاتفاق فرصة تاريخية قد تسهم في استقرار منطقة البحيرات الكبرى، ذات الأهمية الجيوسياسية البالغة، وتمكّن دولها من توجيه مواردها نحو التنمية بدلًا من الصراعات. إلا أن الطريق إلى السلام لا يزال محفوفًا بالعقبات، في ظل عمق الانعدام المتبادل للثقة، واستمرار نشاط الجماعات المسلحة، وانتظار السكان المحليين لأفعال ملموسة تتجاوز حدود التوقيعات الرسمية.
وفي الوقت ذاته، تعيد هذه المبادرة الأميركية تسليط الضوء على دور الأطراف الخارجية في حل النزاعات الإفريقية. فبينما يعتبرها البعض تدخلًا براغماتيًا وفعالًا، يرى فيها آخرون تهميشًا للأطر الإقليمية، مثل الاتحاد الإفريقي ومؤتمر البحيرات الكبرى.
ومهما تكن المواقف، فإن توقيع هذا الاتفاق في واشنطن قد يُعيد رسم ملامح العلاقة بين كينشاسا وكيغالي، وسيكون محل متابعة دقيقة في العاصمتين، وعلى امتداد القارة الإفريقية.